عندما يقوم الطبيب بعلاج المريض ولا يتجاوب المريض مع العلاج هل يصبح مناسباً أن يمنع الطبيب المريض من مراجعته مجدداً؟ وعندما يقوم معلم بإلقاء درس أو محاضرة ولا يفهم بعض الطلاب درسه هل يصبح من المناسب أن يمنع الطلاب الذين لم يفهموا من دخول الفصل مرة أخرى؟ هذا هو مثال من يقوم بتبليك أي حجب وحظر حسابه على بعض المتابعين بمواقع التواصل لأنهم أبدوا عدم الموافقة على بعض مضمون حسابه أو بدرت منهم سلوكيات سلبية تجاه صاحب الحساب، وردة الفعل الانفعالية اللاواعية هذه ليست في صالح أحد، لا أصحاب الحسابات ولا المتابعين المخالفين لهم ولا الثقافة العامة ككل وتبعاً لها الواقع العام، ويكفي أن الأساس الذي تقوم عليه مواقع التواصل هو ما يسمى بـ»نظام اللوغاريتمات» الذي يجعل الموقع يرشح للشخص فقط الحسابات والأخبار وحتى الدعاية الموجهة والإعلان التي تشابه مضمون حسابه ونشاطه على الإنترنت عموماً مما يقصيه عن متابعة المختلفين عنه بالانتماءات والقناعات والاهتمامات سواء أكانت حساباتهم شخصية أو إعلامية وعامة، والنتيجة أنها قسمت الناس بالعالم الافتراضي للإنترنت إلى كتل من المتشابهين الذي يبلكون/ يحظرون كل المختلفين عنهم أي فعلياً يلغون وجودهم من عالمهم وهذا كانت له انعكاسات سلبية على أرض الواقع لأنه أدى لحركات استقطاب كبرى في بلدان الشرق والغرب القائمة على إرادة جعل الواقع الحقيقي على مثال عالم الواقع الافتراضي ليس فيه إلا الكتلة المتشابهة التي حظرت/ بلكت كل من عداها من فئات المجتمع والعالم، وهذا أنتج واقعاً مضاداً ومعاكساً لمسمى وغاية «مواقع التواصل» فهي صارت وسيلة لتعزيز «التقاطع/ المقاطعة» بين الفئات المختلفة بدل تعزيز التواصل بينها، بينما الأصل الصحيح في التعامل مع المخالفين والمختلفين يكمن بهذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (13) سورة الحجرات، فحكمة جعل الناس مختلفين هي لكي يتواصلوا مع بعضهم للتعرف على أوجه وأسباب الاختلاف بينهم لأن التعرف على الاختلافات بين الناس بشكل إيجابي وفهمها هو الوسيلة الأساسية لرفع درجة ونوعية الوعي الخاص والعام وجعله أكثر نضجاً وتعقيداً وشمولية وعمقاً وبالتالي أقرب للصواب، ثم إن حظر الناس كل المختلفين عنهم والمخالفين لهم كيف ستصل إلى الطرف الآخر الآراء والمعلومات التي يعتبرها أصحبها تمثل الحق والحقيقة؟! ولوغاريتمات مواقع التواصل لن توصلها لهم لأنها ترشح لهم مطالعة فقط ما يشبه قناعاتهم المسبقة من مواد إخبارية وصحافية وثقافية، وعدم الحظر/ التبليك تدريب على فضائل كالصبر والحلم.