عبده الأسمري
بين طيبة الطيبة وقاهرة المعز وعروس البحر الأحمر ورياض العز وواشنطن العلم.. سجَّل سيرته من أعماق «الجذور» إلى بصائر «النور» في «إضاءات» ساطعة و»إمضاءات» مشعة في متون «المعارف» وشؤون «المشارف»
كتب جملته الاسمية من مبتدأ الاعتزاز وخبر الإنجاز.. دبلوماسياً فوق «الإبداع» ووطنياً حتى «النخاع» ومهنياً حد «الإمتاع» ..حيث امتطى صهوة «الدبلوماسية» ولوح بسيف «التخصص» وجال بحظوة «السياسة» وصال بسطوة» الخبرة» رافعاً راية «الحلول» مستلهماً وسيلة «التفاوض» محققاً غاية «الوفاض»..
إنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الأسبق معالي الدكتور نزار عبيد مدني أحد أبرز رجال الدولة والدبلوماسيين المحترفين.
بوجه مديني الملامح مهني المطامح وتقاسيم حجازية تتسامى فيها سمات «الوقار» وتتعالى وسطها صفات «الاستقرار» ومحيّا أنيق فاخر بالهدوء وزاخر بالتواضع يعتمر الأزياء الوطنية في مهمات الداخل والبذل المتنوِّعة في مهام الخارج مع كاريزما تتقاطر ثقافة وحصافة تتجلّى فيها معاني «الاعتبار ومعالم «الاقتدار» وشخصية خليطة بين الهيبة والطيبة ومشكلة بين الجد والود تتبادر منها «قيم» النشأة الأولى وتعلو وسطها» همم» الجرأة المثلى.. مع صوت مسجوع بعبارات سياسية دقيقة واعتبارات معرفية أنيقة تسمو فيها «هيمنة» التفكير» و»سلطنة» التدبير ولهجة خليطه بين المدينية المألوفة والرسمية الموصوفة قضى مدني من عمره أكثر من نصف قرن وهو يرسم «مشاهد» الدبلوماسية بروح «المتفاني» وبوح» المتخصص «ويعلو «شأن» السياسة بفرق «الخبير» وفارق «المستنير» ويطور «مجالات» الشورى بإبداع «المفكر» واطلاع «المثقف».
في المدينة المنورة «الشهيرة» بتخريج «الوزراء» وزف» الفضلاء» إلى دروب «العلا» ولد عام 1360 في مساء شتوي دوت فيه «الأهازيج» في منزل أسرته «العتيق» وتشرّب والده الأديب والمثقف النبأ السار محولاً شعور «البهجة» إلى «شعر» اللحظة، حيث جادت قريحته بقصيدة باكرة بدأت ببيت «بدت لنزار في النبوغ مخايل.. تجلت وضوحاً في السياسة والأدب».. فترددت في الأرجاء وبين الأبناء «أنباء» نبوءة عميقة تحولت بعد سنوات قلائل إلى «حقيقة» جلية في سماء «الوقائع».
نشأ مدني في بيت ثقافي متخذاً من ثقافة والده «بوصلة» نحو المعالي مولياً قبلته «شطر» التفوق.. حيث تربى في أحضان «التوجيه» من أب كريم ووسط «أمان» الحنان من أم متفانية فكبر وفي وجدانه «تفاني» البر وفي داخله «أماني» العرفان..
تشرَّبت نفسه صغيراً «روحانية» المكان و»طمأنينة» الزمان» وتعتقت روحه بالطهر في جوار المسجد النبوي وتعطّرت أنفاسه بالسكينة في اتجاهات «الحسنى» التي غمرت ذاته بالطاعات والصالحات.
ركض مدني مع إخوته وأقرانه في أحياء أحد وسيد الشهداء وقباء وباب المجيدي والشامي مراقباً نداءات «الرزق» في سوق القماشية مرتقباً تجمعات «وجهاء» المدينة في وسط البلد موثقاً في ذاكرته الصغيرة أبعاد القناعة في بساطة العابرين وسداد النباغة في حكايا السائرين مخطوفاً إلى أرث والده الذي غرس فيه وفي إخوته أسرار «العون» وعلانية «التعاضد».
درس مدني التعليم العام في المدينة المنورة مشفوعاً بأمنيات «كبرى» نسخها على كشكوله «المكتظ» بالدوافع.. وأفضى بها إلى «أسرته» في بروفات مسائية كان فيها خطيباً مفوهاً يسرد بلاغته الباكرة وقيادياً متمكناً يختبر نباغته المبكرة وأنهى تعليمه بتفوّق وتخرّج من المرحلة الثانوية بمدارس طيبة عام 1379 كان الأول على مستوى المملكة في القسم الأدبي. ثم غادر إلى مصر ونال بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 1384 ثم التحق بالعمل بوزارة الخارجية عام 1384 في وظيفة ملحق دبلوماسي ثم بدأ رحلة أخرى عايش فيها الغربة ونازل فيها الاغتراب، حيث عمل في السفارة السعودية بواشنطن عام 1387 وتدرج في أعمال السفارة وأصبح في بعض الفترات قائماً بالأعمال فيها.. ولأنه مسكون بالتميز تابع دراساته العليا وحصد درجتي الماجستير عام 1391 والدكتوراه في العلاقات الدولية عام 1398 من الجامعة الأمريكية.. تعيَّن عام 1398 مسؤولاً عن الشؤون الإعلامية في مكتب سمو وزير الخارجية ثم نائباً لمدير عام مكتب الوزير عام 1405 ثم رئيساً للإدارة العامة للشؤون الغربية في وزارة الخارجية عام 1407 وفي نفس التاريخ تم تعيينه على وظيفة سفير بالمرتبة الخامسة عشرة..
شارك في الفترة من 1398- 1413 في وفود المملكة إلى العديد من المؤتمرات الدولية ورأس في نفس الفترة وفد المملكة إلى اجتماعات لجنتي السلاح والأمن الإقليمي والتوجيه والتسيير الخاصة بعملية السلام في الشرق الأوسط.
وفي عام 1414 صدر أمر ملكي كريم بتعيينه عضواً في مجلس الشورى في دورته الأولى ورأس لجنة الشؤون الخارجية وعضواً في لجنة الشؤون الأمنية ثم صدر أمر ثان بتعيينه عضواً في المجلس في دورته الثانية.. ثم نادته الثقة الملكية، حيث تم تعيينه مساعداً لوزير الخارجية بمرتبة «وزير» عام 1418 ثم صدر أمر ملكي بتعيينه وزيراً للدولة للشؤون الخارجية عام 1426 ثم مددت خدمته حتى عام 1430..
مثل الوطن في عدة مؤتمرات خارجية وفي مراسم تنصيب رؤساء عدة دول.. قام بزيارات رسمية إلى عشرات الدول وشارك في الأنشطة الأكاديمية والفكرية التي ينظمها معهد الدراسات الدبلوماسية بوزارة الخارجية وله العديد من المساهمات الأكاديمية والفكرية في عدة منصات وصحف.. لمدني عدة عضويات منها عضويته في جمعية الأطفال المعاقين ومؤسسة عكاظ للصحافة والنشر ومجلس إدارة مركز توثيق سيرة الملك عبدالله -رحمه الله- ويشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة مركز الدراسات الدولية.
وفي عام 1440 أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقليده وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الثانية وحصل على وسام السياحة العربية عام 1441..
صدرت لمدني عدة مؤلفات وهي دبلوماسي من طيبة.. محطات في رحلة العمر عام 1430 وقضايا ومواقف في الفكر والسياسية عام 1433 وكتاب المستقبل: تأملات استشراقية في التطورات والمتغيرات العلمية عام 1438 وكتاب سعود الفيصل حياته وشخصيته رؤاه وأفكاره وأعماله عام 1439 وكتاب صدى الكلمة عام 1440 وأيضاً كتابي أوراق من الجعبة وتأملات سياسي متقاعد عام 1441
وقد تم إنشاء جائزة باسمه لتاريخ المدينة المنورة الحضاري تقديراً لتاريخه الحافل بالتميز.
نزار عبيد مدني.. الدبلوماسي القدير صاحب «الاسم» الوطني الموثّق في ثنايا «المؤثّرين و»المقام» المهني الموثوق في عطايا «المتميزين»..