د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لقد أدى التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي سببه فيروس كورونا المستجد إلى انخفاض أسعار النفط من 64 دولارًا للبرميل في بداية العام 2020 إلى 23 دولارًا في أبريل 2020، وعانت عمان من انكماش اقتصادي في إجمالي الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 6.5 في المائة في 2020، وارتفع الدَّين الحكومي إلى 81 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 مقارنة ب60 في المائة عام 2019 وفقًا لصندوق النقد الدولي تسبب في احتجاجات نادرة تطالب بإيجاد فرص عمل، وكعادة السعودية التي لن تتخلى عن أشقائها فجاء لقاء افتراضي بين وزير الاستثمار خالد الفالح ووزير التجارة والصناعة العماني قيس اليوسف.
العلاقات بين السعودية وعمان علاقات إستراتيجية التقت رؤية المملكة 2030 التي استبقت جائحة كورونا وأطلقت في 2016 برؤية عمان 2040 نحو اقتصاد لا نفطي وتنموي واستثماري بحجم إقليمي أكبر تجلياته في البحر الأحمر بكل دوله المطلة عليه.
كان اختيار الملف الاقتصادي مدخلاً لمشروع علاقات جديدة بين السعودية وعمان على رأسها الملف اليمني والإيراني في ظل رغبة أمريكية في الانسحاب من المنطقة وفي ظل رؤية أمريكية جديدة تطالب بتفاهمات أكثر عمقًا، ولكن السعودية تصر على أن تكون هذه التفاهمات وقف النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، فيما الملف اليمني مصلحة سعودية عمانية وهو خاصرة موجعة للدولتين وحتى لدولة الإمارات.
دول الخليج حققت هدفين في مؤشر التنمية هما تشييد مدن عصرية وبناء بنى تحتية مؤمنة بذلك أساسًا متينًا للتنمية الاقتصادية المستقبلية وحصلت على تصنيف يفوق 0.8 في مؤشر التنمية البشرية، مما يضعها في الطليعة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كلها على قدم المساواة مع بعض الدول في الاتحاد الأوربي، ومن تلك البنى التحتية إنشاء منفذ بري بين السعودية وعمان يختصر المسافة بين البلدين بأكثر من 800 كيلو متر، وهي تتجه نحو تنويع اقتصاداتها، بل تمتد نحو التنمية المستدامة.
ضمن خطط تعزيز سبل التعاون المشترك بين البلدين، وقعت السعودية وسلطنة عمان على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال تشجيع الاستثمار، ووقع الاتفاقية من الجانب السعودي وزير الاستثمار خالد الفالح ومن الجانب العماني وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار قيس اليوسف في 30-8-2021، وطرحت السعودية 30 فرصة للاستثمار العقاري في 2021، حيث أتاحت التوجهات التنموية والتحولية في البلدين مساحة كبيرة لإيجاد الكثير من الفرص الاستثمارية النوعية الإستراتيجية المشتركة، التي تستفيد من المزايا الإستراتيجية للبلدين، بما فيها الثروات التي حباها الله بها، والتركيبة السكانية المتميزة فيهما، والموقع الإستراتيجي الذي يجعل طرق الشحن الرئيسية وإمكانات الخدمات اللوجستية فيهما ذات أهمية كبيرة جدًا، والعمل على دعم وتطوير الفرص من خلال الشراكة والتعاون بين القطاعين الحكومي والخاص من الجانبين.
فالبلدان يذخران بفرص استثمارية واعدة توفر أرضية خصبة لإقامة شراكات استثمارية متنوعة بين قطاعي الأعمال السعودي والعماني، وأوضح خالد الفالح أن حجم الاستثمارات في رؤية المملكة 2030 بلغ حجمها 12 تريليون ريال، فيما تزخر رؤية عمان 2040 بمستهدفات طموحة، منها رفع نسبة الاستثمار الأجنبي 10 في المائة للناتج المحلي الإجمالي، ورفع نسبة إسهام القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 90 في المائة.
يعتبر ميناء الدقم أكبر مشروع اقتصادي لعمان، والأهم بالشرق الأوسط، وأحد أهم المشاريع على المستوى العالمي، حيث يعد المشروع ميناء متعدد الأغراض، أهميته الإستراتيجية أنه يأتي خارج مضيق هرمز، وقريبًا من دول الهند وباكستان، فهو مقابل ميناء غوادر الباكستاني الذي كان ملكًا لعمان حتى 1959 في إقليم بلوشستان، فهو النقطة الأخيرة الرابطة بين القارة الآسيوية من جهة عبر شبه جزيرة العرب والقرن الأفريقي من جهة أخرى.
بوسع الدقم أن يكون ورقة إضافية إلى جانب ميناء جبل علي لا تهدف إلى تعويض ميناء بآخر بل إلى بناء أكبر عدد من الموانئ في الخليج، فهو منفذ حيوي بدلاً من الاعتماد الكلي على مضيق هرمز الذي يتم نقل 40 في المائة من الإنتاج النفطي البحري عبره، والذي اتخذ فزاعة إيرانية، وبالفعل هناك تهديد واستهداف للسفن، وهجوم حدث على أنبوب النفط السعودي في مايو 2019.
فرؤيتا السعودية وعمان هي لتطويع الجغرافيا في خدمة التكامل الاقتصادي من خلال إمداد خطوط أنابيب متطورة لتكون امتدادًا للشبكة الحالية داخل السعودية وصولا إلى بحر العرب.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة