عمر إبراهيم الرشيد
كان الوقت صباحاً حين رن جرس هاتفه وإذا بالمتصل صديقه الناقد جلال العشري، فاعتذر له على إيقاظه لكن صاحبنا استيقظ على كل حال، إنما أصر صديقه المتصل على انهاء المكالمة ليعود صاحبنا إلى النوم. وقد عاد إلى النوم بالفعل، ثم رأى في المنام أن صديقه الذي اتصل وأيقظه من نومه المتأخر يمشي في شارع سليمان باشا في القاهرة ومعه صديق لهما ثالث، وهذان الرجلان كانا في هذا الحلم يتحدثان عن شئون ثقافية وفنية. ثم استيقظ صاحبنا واتصل هو بدوره على صديقه وذكر له الرؤيا التي رآها، فما كان من صديقه جلال العشري الا أن يصرخ مذهولاً من هول المفاجأة، استفسر منه صاحبنا عن سبب دهشته، فرد عليه صديقه أن الرؤيا هي ما حدث بالفعل في الواقع، أي كأن صاحبنا رآهم وهم يمشون في ذلك الشارع وسمع حديثهم وهو نائم في شقته. صاحبنا هو الدكتور مصطفى محمود، الطبيب والمفكر والكاتب المصري المعروف رحمه الله تعالى.
يقول الدكتور مصطفى محمود عن تلك الحادثة وهي في فترة الستينات الميلادية، بأنه حينها لم يكن مهتماً بالدين وأن تفكيره علمي مبني على التجربة ولم يكن مهتماً بالغيبيات، لكن تلك الرؤيا قلبت حاله وغيرت مسار حياته إلى الأبد. فأخذ يبحث في كتب التأمل والتصوف، ويقرأ عن التخاطر والرؤية أو السمع بلا حواس وغيرها من القدرات ما فوق الحسية. حتى أنه ذهب إلى السفير الهندي في القاهرة لهذا الغرض (لاحظوا الهمة) فأرشده السفير إلى مكتبة في لندن تشتهر ببيع ذلك النوع من الكتب القديمة المتخصصة في التأمل والفلسفة الهندية التي تتناول تلك المواضيع، وبالفعل سافر الدكتور مصطفى إلى لندن واشترى تلك الكتب، فقرأها وطبق ما فيها من اساليب وتمارين لتعود اليه مثل تلك الرؤيا ولتقوية الحاسة السادسة والتخاطر وغيرها من القدرات ما فوق الحسية، لكن تلك الجهود لم تنتج أي فارق لديه ولم تعد مثل تلك الرؤيا ولم يستطع أن يحصل على ما كان يحلم به من تلك القدرات.
الرؤيا والحلم هما نافذة على الغيب يفتحها الله لمن يشاء من عباده مؤمنهم وكافرهم، ولا علاقة مباشرة بين الصلاح وبين الرؤيا، والدليل رؤيا الملك في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، بالرغم من أن الملك ليس من أهل التوحيد. وهذه النافذة منهم من تغيره وتحول مسار حياته كلياً، كما حدث مع مصطفى محمود رحمه الله تعالى، فاتجه إلى البحث وقراءة القرآن واعادة تفكيره من جديد فكان أن تخصص في العلم والإيمان والاعجاز العلمي في القرآن والسنة، وكتب ما يقرب من تسعين كتاباً لا تزال تحظى برواج وتوزيع كبيرين في أرجاء العالم. وكما نقرأ في سورة يوسف كذلك كيف أن تلك الرؤيا قد أنقذ بها الله مصر في ذلك العهد من مجاعة مهلكة. والرؤيا في اللغة غير الحلم، فالأولى أصدق وهي من الرؤية أي كأن الرائي تفتح له نافذة على الغيب أو المستقبل إذا وجد من يعبرها، أما الحلم فهو مختلط وقد يكون حديث نفس من التفكير قبل النوم او اثناء النهار، أو على هيئة كابوس نتيجة التخمة أو الهموم وغيرها {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ} الآية، سورة يوسف، وكلما صدق الإنسان صدقت رؤياه وكما ورد في السنة المطهرة أن الرؤيا جزء من النبوة، طابت أوقاتكم.