رمضان جريدي العنزي
الكذب بين الناس ليس جديداً، بل هو موجود منذ أقدم العصور، لكن هناك من يبرع في الكذب ويتفنن، إرضاء لشخصيته المهزوزة، ولمصلحته الذاتية، أو ربما للضحك على الذقون، أو محاولة للتهريج والترويج.
إن الذي يكذب ويتعمد الكذب، يسقط ذاته، ويهدر اعتباره، ويلغي قيمته، ويصبح عند الناس متهماً، وتحوم حوله التهم والشكوك، ولا يحظى بثقتهم، بل ينزل إلى الدرك الأسفل في علاقته معهم.
إن الكذاب قد ينجح في تمرير أكاذيبه مرات عدة، لكنه في النهاية يعرف بين الناس ومن ثم يسقط من أعينهم، بعد أن يكتشفوا حقيقته وجوهره، والكذب ليس موقوفاً على جنس معين، فالكبار يكذبون، والصغار يكذبون، والنساء يكذبن، إن شياطين الكذب أنواع متنوعة، وأجناس متعددة، وهم من يصنع المصائب، ويبرع في الحيل، ويتفنن بالبهتان، كذابون لا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية، وتحقيق أحلامهم الوردية، على حساب المبادىء والقيم، يلهثون وراء ذلك حتى وإن فقدوا رشدهم، واختل توازنهم، وأوردوا أنفسهم موارد الهوان، يقطعون أشواطاً بعيدة في الكذب من أجل الانتهازية الفظيعة، لا يمنعهم أي شيء من أجل تحقيق مطامعهم، وإن تدحرجوا إلى الحضيض، وفقدوا احترام الناس، وأصبحوا أضحوكة وتسلية بين البشر، ضمائرهم ميتة، وألسنتهم باهتة، ليس لهم مناقب، ولا مزايا، ولا سجايا، لقد أعمى الكذب بصائرهم، حتى انعدم عندهم الخجل والوجل، شرائح بشرية ممسوخة أخلاقياً وإنسانياً، يسبون إبليس في العلانية، ويصادقونه في السر، ظاهرهم يختلف عن باطنهم، لا يتحرجون من الخطايا والدنايا، ولا يتورعون عن وزر الكذب، ومجافاة الحقيقة، تلك هي علاماتهم التي تدل على نفاقهم وريائهم وازدواجيتهم الذميمة.
إن هذه الشخصيات المبتلاة بخطيئة الكذب على درجة من الدونية، تجعلهم من أهل العار في الدنيا، وفي الآخرة من أهل النار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا).