عبدالرحمن الحبيب
«لو كانت كل السنة عطلة من اللعب، فإن الرياضة ستكون مملة كالعمل.» وليم شكسبير.. إذا كانت جائحة كورونا قد غيرت أو سرعت في تغيير طريقة عمل الناس من خلال انتشار العمل عن بعد وما يتخلله من استراحات، فإنها كذلك قد زادت من التغيير في طريقة عدم عمل الناس خلال الإجازات أو عطل نهاية الأسبوع أو الأيام العادية خارج ساعات العمل.. كورونا غيرت ممارستنا للعمل وهي الآن تغير ممارستنا للإجازة.
في السابق قبل الهواتف الذكية كان الموظف المجاز غالباً ما تنقطع اتصالاته بالعمل وحتى ينقطع عن ظروف منزله إذا كان مسافراً، ويتمتع بإجازته في حالة انفصال عن الجو الروتيني سواء في منزله أو على شاطئ جزيرة سياحية.. هذا الزمن ولَّى إلى غير رجعة، فثمة هاتف نقال يجعلك باتصال حتى لو كنت على ضفاف أبعد الجزر النائية.. هذا الهاتف يبعث رسائل إلكترونية تتطلب الرد، واستفسارات تحتاج توضيحاً، وفواتير تطالبك بالدفع، وبطاقات تحتاج التجديد.. وهلم جرا من هموم الحياة العادية.. صحيح أن رد الموظف على رسائل العمل ليس إلزامياً لجهة عمله، لكنه قد يضطر لذلك كي لا تتراكم عليه الرسائل ويتعقد العمل عند عودته من إجازته.. أو قد يضطر ذوقياً لمساعدة زملائه عندما يحتاجون إليه.
الاسترخاء، الصفاء الذهني، التمتع مع العائلة أو الأصدقاء، الابتعاد عن هموم العمل خلال الإجازة.. الخ، كلها أصبحت حكايات من الماضي بالنسبة لكثير من الموظفين، فلم يعد العمل المكتبي ثنائياً (عمل/ إجازة) بل صار ممزوجاً بينهما.. فإذا كنا نعمل عن بعد ونحن في المنزل ونستقطع جزءاً من وقت العمل مع العائلة أو استراحة منزلية، فقد أصبحنا نستقطع جزءاً من الإجازة ونخوض في العمل ونحن في جولة سياحية.
حتى أولئك المتشددين على أهمية الالتزام باستراحة فعلية وتصفية الذهن والابتعاد عن الإرهاق بكل ما يتصل بالعمل خلال الإجازة من أجل العودة للعمل بنفسية منتعشة مليئة بالحيوية والنشاط، يجدون أنفسهم مضطرين لممارسة بعض الأعمال الرسمية من خلال هواتفهم الذكية، وقد لا يستطيعون مقاومة الرد أو التواصل مع زملائهم في العمل عند وصول الرسائل الرسمية. بالمقابل، هناك المسؤولون الذين لا يعرفون من الإجازة إلا اسمها، فتجدهم لساعات يتابعون أعمالهم عن بعد حتى لو كان في قارة أخرى.. فيتصل بزميل، ويوجه آخر، ويتأكد من إنجاز تلك المهمة ومن العمل على أخرى.
ما هو التوازن الصحيح؟ تتساءل مجلة الإيكونيميست، وتجيب لا أحد يقترح الكدح في إجازة بنفس الوتيرة كما في المكتب (المنزلي)، لكن معظم الناس سيستنتجون أنه إذا تم قضاء بضع دقائق في الرد على رسائل البريد الإلكتروني يمكن أن يوفر على زميل تقطعت به السبل ساعات من العمل، إذ سيبدو عدم التدخل أمرًا صعبًا. إذا لم يكن هناك شيء ضروري، فإن إبقاء عين بعيدة على الأعمال الرسمية يمكن أن يؤدي إلى تسهيل العودة النفسية إلى الوظيفة، سواء بعد أسبوع عطلة أو حتى شهر، فمن يريد التعامل مع الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني غير المقروءة عند عودته من الإجازة؟.
الآن مع زيادة العمل عن بعد بسبب جائحة كورونا فإن الاحتمال المثير للاهتمام هو أن ظهور العمل عن بعد سيولد نوعًا جديدًا من العطلات. من بين معارفه الأوروبيين، لمّح بارتليبي بعض خلفيات موقع Zoom الغريبة مؤخرًا. بعض الناس «يعملون من المنزل» فيما يبدو أنه وجهات عطلات رائعة. وقد اعترف أحد المديرين التنفيذيين أنه بعد أن انتقل إلى جزيرة يونانية لمدة أسبوعين في الماضي، فإنه يقضي الآن معظم الصيف هناك. إنه يكدح بضغطة زر خلال الأسابيع التي من المفترض أن يعمل فيها، ولكنه يقضي بضع ساعات في اليوم خلال ما يُفترض أن يكون إجازة. وبالتالي، فإن الطبيعة الثنائية للعطلات - سواء كنت تعمل أو لا تعمل - قد تصبح ضحية أخرى لفيروس كورونا.. لقد تم التفكير مليًا في الكيفية التي غيّر بها الوباء طريقة عمل الناس. قد ينتهي الأمر بتغيير طريقة عدم عملهم أيضًا (الإيكونيميست).
في مقابلة مع دان سبرينغر، الرئيس التنفيذي لشركة DocuSign للتوقيع الإلكتروني، تحدث عن تشجيع موظفيه على الحفاظ على جدول عمل منضبط: «العمل من المنزل يجعل من الصعب تحديد وقت العمل والوقت الشخصي. أنا أشجع جميع موظفينا على أن يكون لديهم جدول زمني منضبط لموعد العمل، وموعد عدم تعمل، والالتزام بهذا الجدول.» قد تكون هذه نصيحة إنتاجية شائعة في كل أنماط العمل، ولكنها أكثر أهمية عند العمل من المنزل، حيث إنه من المغري أن تشتت انتباهك وتضعف الإنتاجية.
مع كورونا أصبح العمل عن بعد جزءا أساسيا من العمل وقد يصبح الجزء الأهم.. يقول مارك لوبوسكو، نائب رئيس Talent Solutions في LinkedIn عن العمل عن بعد «والآن بعد أن قامت الشركات ببناء الإطار، واختبرت وفورات التكلفة والوقت المرتبطة به، ليس هناك سبب حقيقي للعودة إلى الوراء».. ومن هنا امتزج العمل الرسمي مع النشاط اليومي العادي مع الاستراحة اليومية مع الإجازة السنوية، وأصبحت تصفية الذهن حالة نادرة.