ساقتني قدماي يوم السبت الماضي إلى شارع الغرابي بالبطحاء بحثاً عن حل لتقليل شدة توهج الشمس وارتفاع درجة الحرارة في المنزل، قمت بجولة في أغلب الشوارع المحيطة حتى أرشدني أحدهم إلى محل متخصص في بيع العازل الحراري سواء للسيارات أو المنازل، وكعادتي دائماً مع البائعين تجاذبت معه أطراف الحديث حول السوق وأسعار الخامات التي يتم استيرادها بالكامل من الخارج - أين المستثمرين؟ أين المصانع؟ - وتتفاوت أسعار اللفة أو الرول كما يسمونها ما بين 600 ريال إلى 3000 ريال، والشركات إما صينية، أو أمريكية أو يابانية، وتقريبا تعطي اللفة 27م2 ، تكفي لعزل حوالي 5 - 7 سيارات حسب الحجم، ويتراوح سعر عزل السيارة بالكامل ما بين 300 - 1000 ريال في الشارع، وفي المحلات يصل إلى الضعف تقريباً.
وسألته عن إمكانية شراء رول أو لفة وتركيبها على واجهة المنزل، فكان رده بإمكانية ذلك وأني أحتاج إلى عامل يتقاضى حوالي 30 ريال في المتر المربع، وقلت له وأين هؤلاء العمال، وإذا به فجأة يبدأ في شكوى همه لي، وأن هذه العمالة لم يعد لديها ولاء، فهي تحضر من ديارها على تأشيرات مختلفة -أغلبها عمالة منزلية متسربة في الشوارع- ولا تملك أية خبرة في أي مجال، فيتوزعون بين المهن المختلفة، ما بين الدهانات، والسراميك، والكهرباء، وغيرها، ومن ضمن ذلك تركيب العازل الحراري، وحتى هذا الوقت لم أكن أجد مشكلة سوى أنهم عمالة متسربة، وإذ به يقول: الواحد منهم يأتي طالباً عمل، ويظل يعمل تحت قيادته لمدة 5 - 6 شهور حتى إذا اكتسب بعض المهارة، حول نفسه من عامل إلى معلم، والفرق بينهما كبير، ليبدأ هذا المعلم باحتلال جزء من الشارع ومعه لفة من العازل الحراري الرخيص، ويفاوض راغبي التركيب على سعر التظليل. ويقول أيضاً: إن الواحد منهم يصل مربحه يومياً إلى أكثر من 1000 ريال، نعم 1000 ريال، بما يعادل ما بين 25000 - 30000 ريال شهرياً.
أعدت عليه الأرقام مرة أخرى، فأكد لي صحتها، بل وأضاف إليها تفاصيل أخرى، مثل أن هذا المعلم يبدأ في استقطاب عمالة جديدة ليعملوا تحت يديه، ويقبض منهم عمولة أو مشاركة في كل سيارة. هنا تبادر إلى ذهني سؤال هذا المقال: هل عجزنا أن نظلل سيارتنا؟ فكثير من أبنائنا يبحث عن عمل، ويتفاوض مع أصحاب هذه الأعمال ليكون الراتب حول 6000 ريال، يصرفه غالباً على المأكل والملبس والمشرب والتنقلات، بينما هناك من يستطيع أن يجني 5 أضعاف هذا الراتب مع بذل مزيد من الجهد، فهل سنجد يوماً من أبنائنا من يعمل في هذه المهن، ويستفيد من خيرات الدولة، وأموال المواطنين في تحسين وضعه وتغيير مستقبله بإذن الله.
هناك أمر آخر أود الإشارة إليه، وهو أمر هام جداً، تعرضت له شخصياً في أكثر من موقف، تدخل إلى محرك البحث جوجل تبحث عن شركة أو مؤسسة لعمل ما، وليكن رش وتعقيم المنزل من الحشرات مثلاً، لتجد مئات المواقع تشيد بنفسها وكفاءتها وقدرتها على القضاء على الحشرات وتلبية احتياجاتك وفوراً، ويبدأ النقاش حول السعر، وعند الاتفاق يتم إرسال العامل لك لتفاجئ أنها عمالة غير مدربة، وليس لديها أدنى فكرة عما يقوموا بعمله، سوى أنه لديهم معرفة بالممارسة ومحاكاة من سبقهم في نفس المجال، وغالباً ما يكون هذا العامل شريكاً مع آخرين في هذه المؤسسة المزيفة، فعندما تطلب فاتورة يتم التعذر بنسيانها، أو أن الدفتر قد انتهى، بل هناك من يعطيك فاتورة باسم مؤسسة الله أعلم هل هي موجودة أم لا. وعندما تسأل عن الضمانات يأتيك الرد فوراً بأنها الثقة في الشركة أو المؤسسة، وإنه في حال وجود شكوى سيكونون بين يديك في دقائق معدودة، وهو الكذب بعينه، فلا أحد يأتي ولا مجيب، والأخطر أن هذه الصفحات مرتبطة بأرقام جوالات شخصية لمقيمين، وبمجرد خروجهم، أو سفرهم تتوقف هذه الجوالات عن استقبال المكالمات.
إن هذه الإعلانات وهذا النصب الذي يتم عبر محركات البحث المختلفة يجب أن يكون له رادع، وحساب عسير وأن يوقع أشد العقوبات على من يمتهن أو يقوم بهذا العمل، وأن يشهر به وبمن عاونه ويعاونه.