د.عصام بن سالم المحمود
مع أن المحور الاجتماعي في التنمية المستدامة محور أصيل منذ نشأت فكرة التنمية المستدامة إلا أن هذا المحور لطالما عانى من التحيز ضده. لدرجة أن بعض البيئيين يعتقد أن التنمية المستدامة تعني عدم المساس بالبيئة، وكأن البيئة لم تخلق للبشرية للانتفاع والإفادة منها في تنميتهم وعمرانهم. فالمحافظة على البيئة لازمة للمحافظة على إفادة المجتمع منها، وليس العكس،كما أن أنصار البيئة المتطرفين يرون المحور المجتمعي من زاويتهم البيئية فقط فيظنون أن التنمية المجتمعية تنحصر في توعية الناس في التعامل مع البيئة وتنظيم حقوق الاستخدام والانتفاع من الأرض والموارد الطبيعية والمحافظة عليها وهكذا، بينما لا ينظر إلى قضايا مجتمعية قد تكون أكثر إلحاحا مثل الفقر والعدل والحرية إذا لم تكن هذه القضايا متعلقة بقضايا بيئية، وهذا بلا شك اختلال في الموازين.
وعلى الاتجاه الآخر فإن بعض الاقتصاديين أمثال فوكوياما يرى أهمية التنمية المجتمعية لأنها ستؤدي إلى التنمية الاقتصادية؛ فحيوية المجتمع تؤدي إلى زيادة التعاملات المالية، وبالتالي نمو الوعاء الضريبي وزيادة رأس المال. فيرون أهمية العناية بالصحة والتعليم لأنهما سينتجان عمالة محترفة ومتمكنة تزيد من معدلات الإنتاج وترفع الاقتصاد. وهذا التفكير للأسف هو الذي يشكل الفكر السائد ومعدلات النمو التي تتسابق في ميدانها دول العالم. فالدول تتنافس على النمو الاقتصادي وتقيس نجاح خططها بمؤشرات اقتصادية مثل مؤشر إجمالي الناتج المحلي(GDP) ومؤشر الناتج القومي (GNP).
والحقيقة المتفق عليها أن النمو لا يعني بالضرورة التنمية؛ فالنمو زيادة رقمية، أما التنمية فهي تطور نوعي،كما أن زيادة الدخل ليست بالضرورة رفع لجودة الحياة؛ فمنذ قمة الأرض في ريودي جانيرو عام 1992 ارتفع الناتج المحلي العالمي 75 % وفي نفس الوقت اتسع التفاوت بين المجتمعات في الصحة والعدالة والثراء، وفي دراسة جرت في الولايات المتحدة الأمريكية تم ملاحظة أن دخل الفرد تضاعف بين عام 1975 وعام 1995 في حين تضاءل عدد الأشخاص الذين يصفون أنفسهم «بالسعداء جداً» من 35 % إلى 30 %.
فالتنمية المستدامة كفكرة ومبادئ وضعت الإنسان في قلب التنمية ليكون هومحورها وأساسها ولكن في التطبيق نرى أن الفكرة اختطفت ذات اليمين وذات الشمال؛ فالنمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة يجب أن يكونا في خدمة التنمية المجتمعية المستدامة؛ فرفع جودة الحياة هي الأساس من خلال تطوير الصحة والتعليم والمحافظة على القيم والأخلاق وتعزيز الأمن والتكافل والترابط المجتمعي وغيره من قضايا مجتمعية هي الأساس في جودة الحياة.