حمّاد بن حامد السالمي
* هذا أنا أحبتي وليس أحدًا آخر..! أعترف أني كنت (رئيس جماعة) حينًا؛ و(مرشدًا) حينًا آخر؛ طيلة ثلث قرن..! لا تستغربوا..!
* إن التغييرات والتعديلات الأخيرة التي أجرتها وزارة التعليم؛ وشملت المناهج الدراسية، والمقررات المدرسية، وما صاحبها من هيكلة إدارية وتعليمية تطال مدارس التعليم العام بكافة.. كل هذا؛ أعادني إلى ما قبل خمسين عامًا، يوم التحقت بالتعليم العام معلمًا في مدرسة ابتدائية، ثم متوسطة فثانوية، إلى أن خرجت إلى التقاعد بوظيفة باحث تربوي. ثلث قرن تقلبت فيها بين تدريس المواد الاجتماعية والإسلامية، وإدارة النشاط الطلابي، وثلاث مكتبات مدرسية، فكنت طيلة هذه الأعوام؛ وأنا رئيس جماعة مرات كثيرة، ثم مرشدًا طلابيًا لأعوام عدة.
* ما المشكلة أن يتولى معلم رئاسة جماعة في مدرسة من بين جماعات عدة مثل: (الخدمة العامة، والمكتبة، والخط، والتوعية الإسلامية، والإذاعة، والتربية البدنية، والتربية الفنية، والكشافة، والهلال الأحمر، والرحلات، والصحافة). كمٌّ كبير أليس كذلك..؟! كلها جماعات..! في تلك الحقبة السوداء؛ التي استسلم التعليم فيها لأدوات الأدلجة الصحوية؛ لا يشكل الأمر مشكلة تُذكر؛ إلا عند من كان يعرف حقيقة الأمر، وأنه يرأس جماعة هي فرع لجماعة وجماعات أكبر خارج سور المدرسة، فهي التي توجهه وتحركه لصالحها، أما من يجهل هذه الحقيقة، أو هو جزء من المنظومة إياها؛ فلا توجد مشكلة، فقد كان تلاميذ المدرسة كلهم؛ يُختارون أعضاء في هذه الجماعات، ويتلقون دروسًا ورسائل تأسيسية لا علاقة لها بالمقررات التي يدرسونها، هذا على ما جرى على المقررات من أدلجة واستبعاد لكل ما هو وطني أو محفز على التفكير.
* أتذكر أني أُختِرت بداية قبل خمسين عامًا؛ رئيسًا لـ (جماعة الخدمة العامة)، إلى غير ذلك، ثم رأست جماعة الخط، ثم جماعة المكتبة، إلا أن آخر علاقة لي بهذه البرمجة الإخوانية في المدارس؛ يوم أن كنت (مرشدًا طلابيًا). لم يكن أحد في الأوساط المدرسية- إلا قلة طبعًا- يدرك في تلك الفترة؛ علاقة هذه المسميات: (جماعة- مرشد- قائد) ونحوها؛ بالحركة الإخوانية النشطة، التي كانت تتسلل إلى المجتمع السعودي تحت غطاء (الصحوة)، التي فرح بها القوم بجهل أو لغرض، فانخرطوا في ساحاتها. إن هذه المصطلحات؛ كانت وما زالت في لبّ أدبيات جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي ما زالت وسوف تظل تعمل سرًا وعلانية على استلاب عقول الناس وأموالهم وحياتهم، وتسخّر كل ذلك لمشروعها التخريبي في منطقتنا العربية، وليس في المملكة وحدها.
* كنت طيلة علاقتي بجماعات النشاط والإرشاد؛ أعرف جيدًا عملية الاختطاف التي يتعرض لها جهاز التعليم، مثله مثل أجهزة أخرى منبرية ومحبرية، وكنت أجاهر برأيي ومعارضتي في هذا الشأن داخل المدرسة وخارجها، وعبر وسائل الإعلام، حتى أصبحت مثل آخرين مثلي هدفًا لحملات القوم وعدائهم السافر. فلم تشفع لنا رئاساتنا للجماعات، ولا قياداتنا للإرشاد..! كنا نواجه تكتلات في قضايا خلافية، يرفعها القوم لجعلها محاور أساسية للمنافرة والمحافرة، فيُشخصون المسائل العامة، حتى لا يبقى من هدف أمام هذا التكتل أو ذاك، إلا (سين) أو (صاد) من الناس، لتُحجب محاسنه، وتُبرز مساوئه، وتُشوه صورته، وتُزوَّر سيرته، ويتعرض لحملات تكريه وتحريض منظمة ومبرمجة، في حرب سافرة لا هوادة فيها، وكأنَّ بينه وبين المكرِّهين والمحرِّضين؛ ثارات قديمة من أيام داحس والغبراء:
إن يعلموا الخير يخفوه.. وإن علموا
شراً أذيع، وإن لم يعلموا كذبوا
* لعلي أجدها مناسبة جيدة مع انطلاق العام الدراسي الجديد، بدون جماعات ولا قيادات ولا إرشاد ومرشدين؛ لكي أقول للمسئولين في وزارة التعليم: (أحسنتم ولو بعد حين). لقد عشنا زمنًا كان التعليم يعاني الأمرين من قسم واحد فيه اسمه: (التوعية الإسلامية).. هذا القسم؛ تشظى وتمدد مع الأيام، حتى أصبح في كل إدارة فرع له، وفي كل مدرسة جماعة تمثله، وممثل يحسب على المعلمين حركاتهم وسكناتهم، وحتى أوذي كل من جاهر بالاعتراض داخل إدارة المدرسة، لأن العملية التعليمية كانت مؤطّرة داخل مفاهيم لها رمزيتها الحركية مثل: (جماعات وقادة ومرشدين)، ما يعكس التوجه المبرمج الذي يسعى إليه الصحويون أذناب الإخونج، أولئك الذين يعيشون اليوم متخفين في كمون لا غير. إن من يظن انحسار هذا التنظيم هو واهم أو يغالط نفسه. (إذا كان عدوك نملة فلا تنم له).
* نتذكر جيدًا؛ تلك الحملة التكريهية الشعواء؛ التي شنوها ضد وزير التعليم الأسبق الدكتور (محمد بن أحمد الرشيد) -رحمه الله- يوم أدخل على التعليم مقرر التربية الوطنية. كانوا يجاهرون بوثنية الوطن من أجل حلمهم في الخلافة والأممية، حتى لو كان ذلك على حساب أمن مجتمعهم واستقراره وتنميته. ثم نجحوا ذات يوم في منع تدريس الفلسفة في التعليم العام، وفي إيقاف الابتعاث للخارج، فارتكبوا جناية عظيمة على هذه البلاد ومجتمعها المتطلع إلى النهوض والتقدم، على النهج الذي ارساه المؤسس والموحد (الملك عبد العزيز) -طيب الله ثراه. يا لها من جناية.. بل يا لها من حماقة، تداركتها القيادة الرشيدة مشكورة بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وها نحن نسير اليوم على خطى التقدم نحو مكانة حضارية تليق بنا في هذا العالم.
* كنت رئيس جماعة ومرشدًا في أكثر من مدرسة طيلة ثلث قرن، لكني حقيقة ما كنت مؤمنًا بهذه الرئاسة ولا الإرشادية، لهذا عانيت كثيرًا، وهُددت واستهدفت، ولحقني من الأذى ما الله به عالم. الحمد لله.. كأني أرى مدارسنا اليوم تعود إلى سابق عهدها، يوم كنا تلاميذًا على مقاعدها، قبل اختطافها من قبل أدوات الجماعات المتطرفة.