خالد بن حمد المالك
عشرون عامًا بالتمام والكمال، عمر الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، ولكن لا من أثر إيجابي أو سلبي في هذا الاحتلال، إلا مليارات الدولارات التي خسرتها أمريكا، وما من شيء ذي قيمة تركته في البلاد غير الأسلحة والمعدات التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وقد أصبحت غنيمة لطالبان، سواء كانت الولايات المتحدة الأمريكية مكرهة على ذلك، أو أنها تركتها عن قبول وطيب خاطر.
* *
لا يساور أحد الشك في أن أمريكا تعرضت لهزيمة مذلة، وخروج من الأرض المحتلة بصورة تنم عن سوء تقدير، وخوف من المستقبل، فجاء الانسحاب دون خطط مدروسة، ومن غير برنامج يحفظ للقوات الأمريكية ماء الوجه إثر هروبها، ولا يضعها كما في المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام، حيث الخروج غير المنظم، وعدم القدرة حتى في السيطرة على المطار، وعلى الحشود التي كانت تبحث عن الأمان، عن السفر من الأرض التي ولدت فيها.
* *
ماذا فعلت أمريكا خلال عشرين عامًا، هل قضت على الإرهاب، وتخلصت من داعش والقاعدة؟ وهل بذلت أي جهد لتوحيد كلمة الأفغانيين، وتقريب وجهات نظرهم، والحد من الخلافات فيما بينهم؟ هل عمَّرت البلاد وشكَّلت قوات من الأفغانيين لضمان أمن البلاد بعد انسحاب القوات الأمريكية؟ وماذا خططت للمستقبل في علاقاتها مع أفغانستان غير التهديد والوعيد للنظام الجديد فيما لو خالف سياسات واشنطن، مع أن طالبان لن تنسى العشرين عامًا من الاحتلال، ولن يكون النظام الجديد تابعًا أو على وفاق مع من كان يحتل البلاد!.
* *
خرجت أمريكا من أفغانستان دون مكاسب، خرجت مذعورة، خائفة، ودون تخطيط، وسبقها هروب قادة وأفراد الجيش الأفغاني الذي دربته وزودته بالسلاح، بشكل يقول البيت الأبيض بأن ما حدث فاجأه، مستغرباً أن يترك الجيش الأفغاني سلاحه وموقعه، ولا يكون لكل ما تلقاه من تدريبات ومن سلاح أي أثر في غمضة عين، مثله مثل أمريكا نفسها التي كانت تتوسل طالبان بأن تتعاون معها في تسهيل ترحيل القوات الأمريكية، ومن كان يتعاون معها من الأفغانيين.
* *
ها هي كابل الآن بلا قوات أجنبية تحتل البلاد، فماذا عن مصير من لم يسعفهم الوقت، ولم تساعدهم إمكانات أمريكا، سواء من الأمريكيين، أو من الأفغانيين الذين كانوا يتعاونون مع المحتل للهروب بجلودهم إلى خارج الديار الأفغانية، هروباً من الموت الذي ربما ينتظر بعضهم، بل ماذا عن أفغانستان نفسها التي تركها المحتل دون ترتيب لاستقرارها، أو مساعدة للنظام الجديد الذي عاد مجدداً إلى الحكم رغم إقصاء أمريكا له على مدى عشرين عاماً مضت؟.
* *
هل تريد أمريكا بانسحابها أن تكون أفغانستان في حالة فوضى عارمة؟ هل كانت وراء خروج رئيس البلاد مبكراً حفاظاً على سلامته؟ وهل هي من شجعت الجيش الأفغاني للتخلي عن سلاحه وترك موقعه في حماية العاصمة الأفغانية من طالبان؟ وهل لغنيمة طالبان من الأسلحة والمعدات التي تقدر بالمليارات علاقة بتسليم الجيش الأفغاني للعاصمة؟ والسؤال غير الأخير، ألم يكن بمقدور أمريكا أن تأخذ هذه الغنيمة بدلاً من تركها لطالبان؟ ولماذا لم تقدم على ذلك؟.
* *
كل الأسئلة على كثرتها، ما قيل منها وما لم يقل، يثير المزيد من الأسئلة الأخرى الغامضة، وتشكل هذه الأسرار دوياً صارخاً حول: لماذا احتلت أمريكا أفغانستان؟ ولماذا تركته جريحاً أمام مستقبل غامض؟.. ولا إجابة إلا أن هذا نموذج وصورة للاستعمار في الماضي والحاضر، ولن يتغير في المستقبل القريب أو البعيد.