مسفر آل فطيح
على مدار أربعين عاماً تقريباً والمواطن الأفغاني لا يتوقف عن رحلة اللجوء للدول الأخرى نتيجة الصراعات والحروب الأهلية، وأسوأ ما يتعرض له الإنسان هو أن يبعد ويهجر من وطنه، وذاق المواطن الأفغاني مرارة اللجوء والإبعاد ولطالما تحدث الأجداد لأبنائهم وأحفادهم عن الكثير من المآسي والحروب والتهجير ولكن المثير للعجب والدهشة أن الأحفاد هم أيضاً يتحدثون عن كل ما حدث لآبائهم وأجدادهم، لذلك رحلة اللجوء لا تتوقف ومن يدفع الثمن هم المواطنون الأفغان.لاشك أن أفغانستان هي ساحة صراعات بين الدول العظمى، بعد سقوط النظام الملكي تدهورت الأوضاع الأمنية والسياسية مما أتاح للاتحاد السوفياتي سابقاً الدخول لأفغانستان لدعم الحكومة آنذاك ضد معارضيها ودامت الحرب ما يقارب عشر سنوات وكانت الحرب الباردة في ذروتها بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، كانت تلك الفترة تشهد تقلبات وصراعات وحروباً دولية في أنحاء العالم، أواخر السبعينات استلام الرئيس الراحل صدام حسين السلطة ورحيل النظام الملكي في إيران ونشوب الحرب الإيرانية العراقية وأيضاً دخول السوفيت أفغانستان، آنذاك الحرب الباردة كانت قائمة في كل صراع بين أمريكا والروس.
أغلب الحروب تعود جذورها وأسبابها الرئيسية بين القوى العظمى، أواخر الثمانينات انسحب الروس نتيجة الدعم الأمريكي لما يسمى بالمجاهدين، وبعد توليهم السلطة دخلت أمريكا الوحل الأفغاني ومكثت فيه ما يقارب 20 عاماً.الأحداث المفاجئة والمتسارعة في أفغانستان قد لا يستوعبها العقل وتذكرنا بما حصل في الموصل عندما تم تسليمها لما يقارب 300 مقاتل من تنظيم داعش.الذي تفاجأ بما حصل في الولايات الأفغانية وهي تسقط بدون قتال ليس أمريكا إنما مقاتلي حركة طالبان وكأنهم في رحلة سفر، الخروج السريع لأمريكا ترك أثراً سيئاً لدى ما يقارب 200 ألف جندي أفغاني مدربين ومهيئين بأفضل الأسلحة والمعدات العسكرية أمام ما يقارب 70 ألف مقاتل من طالبان حسب المصادر الموثوقة.
إدارة بايدن قررت ترك أفغانستان وما فعلته أمريكا هو التسليح الجيد وترك المعدات والطائرات للمجهول.
طالبان ركزت على مدينة مزار شريف التي ينحدر منها الجنرال عبد الرشيد دستم أحد أمراء الحروب وقادة الميليشيات الذي عرف بتقلباته في التحالفات ويقود أكثر من 20 ألف مقاتل وسقطت المدينة في غضون أربع ساعات فقط، وبسقوط مزار شريف أصبحت أفغانستان بيد طالبان، عاد دستم إلى أوزباكستان التي تنحدر أصوله منها ودائماً يلجأ إليها في كل حرب يخسرها ثم يعيد إنتاج ميليشياته بدعم سخي من طاجيكستان وأوزباكستان.يعد الفساد أحد أسباب سقوط الولايات بيد طالبان، والمواطن الأفغاني لم يعد له أهمية من يحكم، ما يريده هو الأمن والعيش في وطنه والتوقف عن رحلة لجوء دامت لعقود من الزمن.حكم الشيوعيون أفغانستان ثم الليبراليين وأخيراً المجاهدين مما جعل هناك انقساماً حاداً في المجتمع الأفغاني، تكوين المجتمع الأفغاني هو أسوأ من التضاريس الأفغانية الذي قد لا يسيطر عليها أحد.
إذا كانت طالبان تحكم بعقلية عام 2001 فلا شك أن الحروب الأهلية ستبدأ من جديد، على الرغم أن قادة طالبان الآن عاشوا فترة الملا عمر.
أمريكا تركت الوحل الأفغاني لروسيا والصين، وطالبان قد تفشل في إدارة الدولة والتعامل مع المجتمع الدولي، والتحدي الذي يواجه طالبان هو عدم وجود محتل تقنع بها أتباعها لخوض الحروب وتأجيج الصراعات، ستكون أمام ما يقارب 38 مليون مواطن يبحثون عن الحياة الكريمة والأمان وهذا هو أكبر تحدي، حركة طالبان تحاول صبغ نفسها بصبغة أخرى ببعض التطمينات للمجتمع الدولي بحماية البعثات الدبلوماسية واحترام القوانين الدولية.
ما تبحث عنه الميليشيات المسلحة المتطرفة هو خلق الصراعات والأزمات والعقوبات الدولية لأنها تصنع سوقاً سوداء تستفيد منها مادياً وتترك الشعوب للفقر والتهجير وتقنعها بوجود عدو وهمي وتستمد قوتها من هذه الأشياء فقط.طالبان أظهرت تغيراً واضحاً في التفكير والتعاطي مع الآخرين، والوفود الدبلوماسية لعناصرها ذهبت لأغلب الدول وربما العمل الدبلوماسي لديهم نجح في تحقيق ما وصلوا إليه، ولكن هل سينتهجون هذا العمل بعد استلامهم للسلطة؟ أفغانستان تعود للوراء والزمن كفيل بشرح الكثير من الأحداث، وما ينشده المواطن الأفغاني هو التوقف عن رحلة اللجوء المستمرة.