(مقاطع وفصول ترصد ما بقي ماثلاً في العيون والرأس من غبار الذكريات لقصة لم تتم وتقترب في صياغتها من شعر التفعيلة، ولا أحسبها إلا نثراً فنياً).
1
سَآتي إليكِ،
وإنِّي لآتْ..
وإنْ سُدَّ بابٌ
سأطْرُقُهُ فاتِحاً
غازياً..
سأطرُقُه شاعراً
عاشقاً..!
سأدعو به الذّكرياتْ!
2
سآتي إليكِ..
سأرجَعُ لليومِ
ذاك الذي
يُشاغِبُني في خطوط يدي
وفي عينِ عيْني
ويُشْغِلُني..
بالْتِقاطِ الفُتاتْ..
3
سآتي إليكِ..
فلا تُوصِدي البابَ صَدّاً
فإنّ المسافاتِ قد أُحْرِقَتْ
بِلَوْنِ فساتِينكِ الزاهِياتْ
وإنّ (الجدارَ العريضَ)1
يَـنُـثُّ هَواءً رطِيبا..
يَنُثُّ بَخُوراً، وأنتِ هناكَ
تطوفينَ فوق السّؤالِ،
وتأسُرُكِ الأُمنياتْ!
4
سآتي إليكِ..
وإنْ كان ذلكَ وَهْماً،
وحُلْماً وضَرْباً
من المُستحيلْ
سآتي
فَيَرْكُلني الغُرَباءُ،
وأبقى غريبا على الغُرباءِ،
وأبقى الدَّخيلْ!
5
سآتيكِ زحْفاً،
وصَوْتاً، وهَمْساً
وإن صَدّني الوقتُ، والخوفُ..
أو دافَعَتْني الكُفُوفْ
وإنْ قيلَ لي: أنتَ.. مَنْ أنت؟..
سآتيكِ ضَيْفا
فهل تطرُدينَ الضُّيوفْ؟!
6
سأطْرُقُ حتما مدينتَكِ الصّاخِبة..
وأصْرَخُ في كلِّ (طابوقةٍ)
تعالَتْ على الطّينِ،
والسَّقْفِ الذي من (جُدُوع) النّخيل،2
والرَّمْل ِالذي تَيَمَّمْتِ منهُ
أمامَ (اللواوين)3
وخَبّأْتِ بين (حُصَيّاتِهِ)
رمادَ السِّنينِ،
وأحلامَكِ الكاذبة.
7
سآتي إليكِ..
بقلبي الذي ضَجَّ شِعْراً،
وقالَ حروفَكِ
بين المُحيطات.. جَهْراً
وَوَهْماً، وعُمْرا..
وكانَ الفؤادُ على الوجْدِ
والوَهْمِ..
مُتَّكِئا بلا سَفَرٍ،
وقد عادَ طِفْلا
وإنْ عاشَ دَهْرا!
8
هُناكْ
ورغم تلاشي المكانِ،
اختفاءِ الأثَرْ..
تُعِيْدُ (النُّتُوءاتُ) أسماءَها،
وأشكالَها، وألوانَها،
وتُعيدُ الصُّوَرْ
ورَغْم غياب (القَمَرْ)
فقد أَلِفَتْـكِ النُّتُوءاتُ
تلكْ
كما أَلِفَتْ (سدرةُ الدار)
أغصانَها، والحَجَرْ
سآتي إليكِ..
أُشَذِّبُ أغْصانَها
فأفْزَعُ مِنْ (قَدَح الماءِ)..
تَـصُبِّـيـنهُ فوق ظَهْري،
فَيَبْرَدُ ظَهْري،
ولكنَّ نِيرانَ قلبي
تَهُبُّ عليه لوافحُها،
وأنتظر الماءَ
ليطفئَ ناري،
وينعشَ صدري!
9
سآتي إليكِ..
ويُمْنايَ تَحمِلُ
(حُزْمَةَ مَشْمُومٍ) (حَساويْ)،4
ويُسْرايَ..
بها (زَنْجَبيلْ)..
سآتي إليكِ..
وإني لآتْ..
سآتي..
بِكُلّ الحمَاقاتِ،
والشّوقِ، والأغنياتْ..
يجيءُ بها الحزنُ، والوقتُ،
و(العصرُ)، والأمْسِياتْ:
«كم تذكرت سويعات الأصيل..
وصدى الهمسات ما بين النخيل
أنت في حبك وأنا في حبي
وارى الذكرى دواء للعليل
فاتق الله في حبي يا حبيب «5
سأرْقُبُ صوتَكِ..
يَنْسَلُّ بين (الفوانيسِ)،6
و(الدَّراريع)،7 و(البوشيات)8، والأحْـزِمة:
«حبّك أسرني، ودلالك غيّر ألواني..
الشوق أمرني.. أطيعك وانسى خلاني «9
سأقْبَضُ مِن فتحةِ البابِ
على ذلك الصّوتِ..
صوتِكِ الذي أُمَيِّزُهُ
بين الوجوهِ،
وبين الحُشُودْ
سأُبْقِي عليه
لآخِر نُقْطَةٍ في دمي
برغم الصدودْ!
وحين أُهَرْوِلُ نحوَكِ
سأحمِلُ كلَّ تفاصيل (الفريق)10..:
بـ(دروازة) آبائنا..11
وأيّامِهمْ، وأيامِهِ
(بِعَرَصَتِهِ)12، و(مِـعْـيـَدِهِ)13
و(صَوابيطه)،14
وركْضٍ يلفُّ (الصَّكيكَ)15 بجدرانِهِ..
وأَفرشُها بين عينيكِ
وإنْ غُشِيَتْ بالجُحودْ!
10
سآتي إليكِ..
بثَوْبٍ جديدٍ، ولحنٍ جديدٍ
بلا (غترة) 16
(أطقطق) 17..
فوق (قواطي) 18 الحليب!
سآتيك عند الأصيلْ،
وعند المغيب..
غبيا، وغِرّاً
يُزَمْجر في كلّ شيء
وطيشا وقفْزا إلى المستحيلْ!
سآتي وإن سُدَّ
عني السبيل..
سآتيك بالروح
والحلم والعين
وقعقعةٌ مُهِرَتْ
كصلاة مقدسة
وماثلة في الوريد
ومالي إليك سبيلْ!
سآتي
وان كنتِ لم تأتني مرة،
ـ ولو مرة ـ.. في منامي
سآتيكِ،
وإن كنتُ في ذاك
أهذي، (أخربط)19،
أكتب لغوا أُسَطِّرُه..
فيجيب الرحيلْ
1- امتازت جدران الطين في البيوت الطينية القديمة بحجمها العريض، الذي يساعد على امتصاص الحرارة، وتبريد غرف المنزل صيفاً، والدفء شتاءً.
2- أي جذوع النخيل، وتُنْطَقُ في الأحساء، والخليج بالدّال المهملة، وكانت جذوع النخيل تستخدم لسقف أغلب منازل الطين والطرق المسقوفة (السوابيط)، وعروش البساتين في الأحساء والخليج..
3- اللواوين.. جمع ليوان.. وهو الغرفة في المنزل القديم..
4- (المشموم الحساوي).. هو صنف من الريحان، والحبق الزكي الرائحة، وقد امتاز برائحته الطيبة القوية التي يمكنك أن تشمها من بعيد، ولمدة طويلة..
5- هذا مطلع أغنية (سويعات الأصيل) للمطرب السعودي الراحل طلال مداح، وكانت من أغنياته المشهورة التي كان تتردد بين أبناء المملكة والخليج.
6- الفوانيس.. جمع فانوس، وهو السراج الشعبي المعروف، وكان يستخدم في الأحساء والخليج إلى وقت قريب، ووقوده (الكاز/ الكيروسين)، وينطق في مدينة القارة بالأحساء بالصاد فيقال.. فانوص..
7- الدراريع.. جمع دِرّاعة.. أي: ثوب وفستان المرأة والفتاة في السابق..
8- البوشيات.. جمع بوشية: هي الغطاء القماشي الرقيق لوجه المرأة، وقد تكون الكلمة آرامية، أو هندية..
9- (آه يا لَسْمَرْ.. يا زين)؛ للمطرب الكويتي عبد الكريم عبد القادر، وكانت من أشهر أغنياته التي كان الخليجيون يرددونها في كل أقطارهم في التسعينات الهجرية، والسبعينات الميلادية الماضية، ويُعَبِّرون بها عن مشاعرهم الجائشة آنذاك..
10- الفريق.. أي: الحارة، ومحلة السكن والبيوت المتجاورة، وينطق محلياً في بعض مدن وقرى الأحساء والخليج : الفـِرِيج.
11- الدّروازة : ساحة صغيرة كانت موجودة في مقدمة (الفريق)، وهي ملتقى واستراحة ومقعداً لمعظم رجال الفريق عصر كل يوم بعد عودتهم من أعمالهم، والكلمة فارسية معناها الطريق أو البوابة..
12- العرصة: ساحة واسعة في قلب (الفريق) تحيطها منازل أهل الفريق ومداخل البيوت الداخلية للفريق، كما أنها مكان يلعب فيه صبيان الفريق..
13- المِعـْيَـد: مكانان مسقوف يشبه العاير يؤدي إلى ثلاثة اتجاهات، وسمي بذلك: لتجمع الناس فيه يوم العيد (منطقة تَجَمّع)، وانطلاقتهم إلى بقية الجهات بالقرية.
14- الصوابيط: جمع (صاباط)، أو ساباط: وهو الطريق المسقوف قديماً.
15- الصكّة: بالصاد.. هي (السِّكة) المعروفة، والطريق الضيق الذي به أبواب المنازل.
16- هي اللباس القماشي الذي يضعه الرجل والشاب على رأسه.
17- اطققط: استخدام علبتين من علب الحليب السائل كطبل.
18- القواطي.. جمع قوطي، وهي كلمة شعبية تعني علبة السوائل المعدنية الفارغة.
19- كلمة شعبية تعني الكلام غير المتزن أو المفهوم أو المركّز
** **
كتابة، ورصد ونص: محمد الجلواح - شاعر وأديب سعودي من الأحساء - القارَة، عضوٌ مُؤَسِّـسٌ لنادي الأحساء الأدبي، له إصدارات شعرية ونثرية.
الأحساء ـ القارَة