شروق عبدالله الثميري
يقول الخليل بن أحمد: «يطول الكلام ويكثر ليفهم, ويوجز ويختصر ليحفظ», كان هذا القول في معرض الحديث عن أغراض الشعر التي تستحب الإطالة فيها مثل الإعذار والإنذار والترهيب والترغيب, في حين يفضّل الإيجاز عند المنازعات والملح والتمثل.
ويمكن الاستفادة من هذا الاقتباس واستيحاؤه كأسلوب من أساليب التدريس, ومبدأ متفق عليه بين طرفي العملية التعليمية؛ وهنا يتجاوز الأستاذ الكتب المقررة إلى آفاق غير محدودة من التفكير والمعرفة, أما الطالب فتزداد خبرته دون أن يكون ذلك استطراداً مملاً وعبئاً زائداً على كمية المقرر, لأن الاختبار سيكون في جزء يوجز ليحفظ.
ويفتح تدريس اللغة بوجه خاص مجالاً خصباً للإثراء المعرفي؛ فاللغة أداة الفكر, والباب الأوسع إلى الثقافة, تتجاوز قواعد النحو والصرف لتكون قضية حضارة تعكس صورة المجتمع؛ فمن المفيد أن تكون دروس اللغة العربية فرصة ثمينة لتعلم الاستعمال الصحيح واختيار الأنسب من التعابير لتصبح مهارة يتقنها الطالب متى ما دعت الحاجة إليها, ومجالاً للتذكير بمزايا اللغة والاستفادة منها في ربط ماضي اللغة بحاضرها.
لقد ذكرت كتب التراث العديد من مزايا اللغة العربية, وفي مقدمتها الإعراب الذي تتميز به المعاني, والحركات التي تغير معنى الكلمة, فالمِقصّ مثلاً آلة القص والمَقصّ الموضع الذي يكون فيه القص... وللعرب سنن في كلامها, فكلمة الإنسان تقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث, كما قد يذكر الواحد ويراد الجمع, قال عزَّ وجل: «إنّ هؤلاء ضيفي» الحجر:68, «ثم يخرجكم طفلاً» غافر:67 , ويوصف الجمع بالواحد: «والملائكة بعد ذلك ظهير» التحريم:4. وقد يأتي الفعل بلفظ الماضي وهو حاضر أو مستقبل, كقوله تعالى: «أتى أمر الله فلا تستعجلوه» النحل:1, و «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» آل عمران:110.
وقد يختلف الاهتمام باللغة من عصر إلى آخر, كما أن هناك اختلافاً عبر القرون بين الاستعمال المعاصر والتراث, لكن جاذبية الاستعمال اللغوي تعتمد على الوسيلة التي تنقلها اللغة بقوانينها وكلماتها, مما يجعل تعلمها وإتقانها أمراً لا غنى عنه في كل عصر. وقد تكفل طريقة الاستعمال تكوين فهم لثقافة مستعمليها. تقول مدام دي ستايل عن اللغة الفرنسية: «ليست اللغة في فرنسا مثلما هي في أي مكان آخر وسيلة لنقل الأفكار والمشاعر والأمور العملية, ولكنها وسيلة تجعل من استعمالها متعة, فهي تحفز العقول إلى النشوة على نحو ما تحدثه الموسيقى بالنسبة إلى بعض الشعوب».
فما الانطباع الذي يتركه تدريس اللغة العربية واستعمالها في عصرنا؟.