الجزيرة الثقافية/ جابر محمد مدخلي - أثير دعباس:
إنّ نساء الكون كلهن يرين أنّ آلامهن وقتية، وبعدها سيعوضهن الله بما هن أحق به، ويرضيهن بما ينتج عن آلامهن بعد الولادة البشرية أو الإبداعية. وقد تكشفت على سطوح العوالم المتقدمة والمتأخرة قصص منشطرة تارةً بين الآلام، وأخرى بين الراحة. وبمقياسنا لمصطلح الآلام فإننا سنجد المرأة تختص بها طوال حياتها منذ ولادتها من رحِم أمها حتى ولادة رحِمها بمن يرث الأرض ويعمرها. إضافة إلى ما يُمارس عليها وفق طبيعتها التي خُلِقت بها؛ لهذا رأت «الجزيرة الثقافية» تخصيص أحد الجوانب الصحفية المضيئة والباحثة داخل المجال الأنثوي ذاته تاركة للمرأة حرية التعبير وفق ما تعيشه بخصوصية وتفرد.
شؤون شخصية - للفنانة نوف عبدالله عبدالله
* برأيكِن هل توقفت المرأة عن رؤية ذاتها ومَلَكاتها متجردة من تنميط نظرة الآخر ورأيه عن ألمها وعاطفتها وأمومتها؟
-الكاتبة التونسية فاطمة حمزاوي قالت: «تجد المرأة نفسها غالباً محتجزة في قالب نمطي متكرّر لا يكاد يتخطّى مواصفاتها البيولوجية الطبيعية التي خلقت بها. فتُنسب إليها دائماً صفات الضعف والتّضامن التي تُشعرها بالقُصور غالباً مما يهدّد فرصها في الظّهور بصفات الاستقلالية والقوة التي تُنسب دائماً إلى الآخر، وهو ما يجعل هذا التّقييم قاسيا وناقصا مقابل ما تسعى لإثباته في التعبير عن نفسها بحرية، وهذا سبب تَراه المرأة كافياً لأن تتجاوز مَلكاتها البيولوجية حتى تتمكن من رفع صوتها، وخوض المعارك من أجل قضايا تتجاوز التنميط الجنساني إلى الإطار المجتمعي العام».
أما الكاتبة والإعلامية العُمانية فاطمة بنت ناصر، فقالت: «لا نستطيع التعميم بإجابة جازمة واحدة. نعم، هناك من حظين بنعمة الوعي للتفريق بين ما هو منمط وبين ما هو أصيل فيها. للأسف أن موضوع تنميط المرأة بالغ التعقيد ولعل السبب يعود إلى تداخل منابع ذلك التنميط، فهناك منابع ثقافية مجتمعية، وهناك منابع دينية، وهناك منابع ودوافع سياسية واقتصادية. المرأة العربية بحكم تأخر وصولها للتعليم، وكذلك فرض الوصاية حتى المعرفية فيما تقرأ ولا تقرأ، ساهم في تأخر فهمها لعملية التنميط الجندري. ونلاحظ اليوم مع وصولها السهل للمعرفة والفضاءات المفتوحة بدأت تراجع ماهية مكانتها وصورتها في هذا الكون».
- أما أستاذ الأدب المشارك بقسم الأدب بجامعة أم القرى الدكتورة أمل محسن العميري فقد فقالت: «مما لا شك فيه أن المرأة قد مرت بتغيرات وتحولات مجتمعية كانت تحصرها في قالب معين وتجبرها على الصمت في التعبير عن مشاعرها عبر الكتابات الأدبية، وكانت تنظر من بعيد لذلك الرجل الذي أخذ مهمتها في التعبير عن ذاتها، ومما لا شك فيه أيضاً أن هناك من الرجال من برع فعلياً في التعبير عن مشاعر المرأة بكل جرأة وقد أعطاه الحق في ذلك صمت المرأة ردحاً من الزمان، فضلاً عن ذلك المجتمع الذي يبيح له ما لا يبيحه للطرف الآخر. لكن الأمر - في الوقت الراهن - قد تغير كثيراً كما نلحظ ذلك في كل المجتمعات العربية والغربية، فقد تصدرت المرأة لهذا الأمر بجدارة وأخذت دورها الفعلي في التعبير عن مكنوناتها عبر كتاباتها الأدبية، وكثير من النتاج الأدبي المشاع بيننا يظهر هذا الأمر بجلاء».
من جانبها قالت مرام صنيدح الزلامي: «باعتقادي أن المرأة نشأت تحت وطأة التنميط، ولأصدقكم القول رُبيت على هذه الطريقة التي ترى بها ذاتها من خلال تصوّر الآخر عنها والآخر الذي أُشير إليه هنا لا يشترط أن يكون رجلًا أو امرأة بل قد يكون نص ديني أو عُرف اجتماعي أو وسيلة إعلامية فهي بالأصل لم تنظر إلى ذاتها بتجرّد من التنميط منذ نشأتها الأولى -الطفولة- ولن يحدث ذلك إلا حين تصل المرأة إلى مرحلة وعي تتيح لها معرفة ذاتها بحق والنظر إليها ككيان منفصل عن كل ما ذكرت آنفًا، فهي حين تصل إلى ذلك الوعي ستنظر لألمها وعاطفتها وأمومتها بتجرد تام وتعيد تقدير الأمور لصالحها بالطبع».
وأما الروائية السعودية لطيفة هيف قالت: «لا زالت المرأة تسير برفقة ذلك التنميط إلى حد معين، غير أنه بدرجات متباينة وفقًا لأمرين الأول لقدرتها على المواجهة وتسييّر أمورها إلى الأفضل وثانيها لقدرة المجتمع على التفهم والمراعاة، والأمر باق بتلك الاختلافات ما دامت الأنماط بتنوعها والحياة بأشكالها».
أما القاصة والكاتبة حليم الفرجي فمضت قائلة: «نعم هناك الكثير من النساء تخلصن من جريمة النظر لذاتها من خلال نظرة الآخر لها وتحجيمه لها في دورها كأم وزوجة فقط فأصبحت تؤدي أدواراً أخرى لا تقل عمّا يبذله الرجل بجانب أمومتها ودورها في البيت.»؛ ومن زاوية أخرى أجابت الكاتبة كفى عسيري برؤية تحليلية مغايرة حيث قالت: «حاليًا ومنذ عشر سنوات مضت تسعى المرأة في جهد مضاعف إلى التخلص من قيود أحاطت نفسها بها استمرت تحيطها لعقود من الزمن؛ تغيّرت كلياً أصبحت تعيش لنفسها تؤمن بقراراتها ترفض الآراء التي تقول بنمطية دورها في الحياة».
وأمام كل الذي مضى من وجهات النظر غير المتحدة حول محورنا الثابت هذا نذهب إلى ما ذهبت إليه الكاتبة تغريد العلكمي حول هذا السؤال والذي أجابت عليه بقولها: «ليس تمامًا مهما حاولت القول بأنها خرجت من هذه الدائرة إلا إنها لازالت تحاصرها، فهي حتى الآن لك تتمكن من التجرد من النظرة النمطية للآخر».
ويزداد حراك وجهات النظر في كل مرة نقرأ فيها إجابةً حول ذات السؤال عدا أنها مغايرة في اللفظ والمعنى. فالكاتبة والشاعرة هند الحربي تجيب بشكل مغاير كليًا، موجزة قولها: «برأيي أن المسألة نسبية وخاضعة للتجربة الشخصية لكل امرأة ولكن أغلب الظن أن المرأة ما زالت تقف أمام مرآة الآخر وتستلهم استحقاقها وعدمه من انطباعهم ونظرتهم».
ولكي نختم بمرئيات ذات قراءة تحليلية مرتبطة بالنتاج الإبداعي، والوعي النسائي وسلوكه العام فإننا سنتوقف أمام ما قدمته القاصة هيفاء العمري والتي افتتحت حديثها حول السؤال ذاته وهي تقول: «قياس درجة تحرر الوعي النسائي من نمطية الرأي الآخر أستطيع قياسها بما نشهده من سلوك نسائي جديد منطلق نحو الحياة بجدية وتحدي وكثير من التقدير الذاتي، وهذا مؤشر سيكولوجي صحي لتخطيها الحاجز الثقافي المرتفع باستخدامها للأدوات القانونية واندماجها من خلالها في واقع كانت فيه مهمشة ومحدودة الأهمية.»
* ما الذي يجعل المرأة تكوّن ردة فعل دائمة التبرير عمن وصمها بصفات الضعف والنعومة؟
الكاتبة فاطمة الحمزاوي قالت: «تواجه المرأة معضلة الدفاع عن الذات، لهذا هي تحاول بكلّ قواها وطَرائقها أن تجد لنفسها منفذا يُخرجها من مأزق الإقصاء، وهذه ردّة فعل مُتوقعة أمام الإسقاطات المُجحفة التي تحوّل كلّ ميزة طبيعية تمتلكها إلى نقطة ضعف يتّخذها الآخر سببا للمُفاضلة غير العادلة مما يُضيّق عليها الخناق للسّير في طريقها عبر تعقيدات هذا العالم الاجتماعي».
وأضافت الإعلامية فاطمة بنت ناصر حول ذات السؤال: «قلة وعي بعض النساء تجعلها تدافع عن هذا التنميط دون الانتباه أنه يسيء لها، كما لا ننسى ترسيخ شيوخ الدين لنظرة أن المرأة إنسان ضعيف تحتاج الوصاية والحماية الدائمة من الذكر».
وأما الأكاديمية أمل محسن العميري فقالت: «أحياناً تواجه المرأة بعض المتسلطين الذكوريين الذين قد يسخرون من حروفها الأدبية ويحاولون استفزازها ووضعها مواضع الاتهام الجائر، عندها قد تلجأ بعض النساء الكاتبات للتبرير والدفاع عن نفسها وعن مقصدها في لغتها المختارة التي قد تؤول خطأ من قبل الطرف الآخر، وفي رأيي لا أرى النعومة أمراً سيئاً لتكوّن المرأة ردة فعل مبررة تجاهها، فما المرأة من غير الأنوثة أو النعومة، وما المرأة إلا تشكلات أنثوية مقبولة ولا أقصد طبعاً تلك الموغلة حد الإسفاف أمام الآخرين».
أما المحامية مرام صنيدح الزلامي فأجابت بقولها: «قلتم ردة فعل وهي فعلاً كذلك، ليس من السهل أن تقول لإنسان أنت ناقص وضعيف وتنتظر منه أن يوافقك! لا بد أن يبرر ويدافع وإن كان ذلك شأن بني آدم كلهم ذكورًا وإناث فإن الأمر يُشكل بالنسبة للمرأة إهانة متعمّدة وجارحة؛ ولأنني لا أؤمن بمثل هذه الصفات التي توصم بها النسوة على وجه التحديد فإنني لا أخوض في التفاصيل، بل أدعو النساء للتوقف عن الحساسية من مثل هذه الأقوال وتقبلها تمامًا كما هي وفهم هدف الطرف الآخر الذي ما أنفك يصف المرأة بهذه الصفات عبر التاريخ.. وهدفه غالبا الاستحقار وإقناع المرأة بضعفها ودونيتها بصفتها كائنًا ناقصًا عاجز من وجهة نظره..»
من جانبها قالت الروائية لطيفة هيف: «هي العقبات ذاتها التي قد تعرقل دورةً حياتية ينهض به أي كائن، وكينونة المرأة هي عطف يكمن مركزًا لتلك الأنثى وقد نمت خارج هذه البذرة لتصل للاشتداد والصلابة لتكون ظِلال وافر لكل من حولها، فهناك من وصلت إلى الدرجة التي أصبحت فيها امرأةً قادرةً على العيش في حياة كاملة بلا رجل، مكتفية بقوتها التي أغنتها وبشعورها الذي كفاها، لتتيقن خطأ تلك الوصمة في مشهد مؤثر وملهم وكـ ردٍ فعلي يعبر عن تحدى دائم يذهب جاهدًا نحو إثبات الذات. لذلك هناك من تسقط أو تجتث وتبرر».
أما القاصة حليم الفرجي فقالت: «الضعف الجسدي والنعومة هي هبة وليست تهمة فالأنثى يميزها عن الرجل دقة تكوينها ورقته وعلى المرأة في مجتمعنا أن تتفهم أنها خلقت لتكون أنثى فقط في هذه الصفات ولا اقصد الضعف باتخاذ القرار أو التعامل فلا أحد ضعيف أن تعلق الأمر بحق من حقوقه الأنثى دائمة التبرير هي أنثى استكانت كثيراً فسلبت أهم حقوقها وشعورها بالتفريط جعلها في موقف المدافع دائماً والمتأهب لأي ردة فعل مفاجئة».
وأضافت الكاتبة كفى عسيري قولها: «المرأة تبرر وتكون في حالة دائمة عن خصائصها في ثلاث حالات:
1. أما أن تكون بالفعل ضعيفة وتداري هذا الجانب بالتبرير الدائم.
2. أما أن ت كون في بيئة مثبطة وتحاول هذه البيئة أن تنبها لهذه الجانب حتى تعزلها عن البيئات الأخرى وتفرض عليها عدم المواجهة والتغيير.
3. الأمر الأخير أما أنها تريد أن تقتحم منطقة صعبة ومع ذلك تشعر بالخوف من التخلي عن خصائصها كأنثى».
فيما قالت الشاعرة هند الحربي: «لا أظن أن الضعف وصمة هي حالة. المفاهيم التي تكرس هذه النظرة لها أبعاد تراثية إيدولوجية ساهمت وعززت هذه الحالة مما جعلها مرادف ملتصق للتصنيف «الجندري» رغم بعده الشديد عن وصف الحالة».
وأما القاصة هيفاء العمري فقالت: «محاولة منها للتوضيح أو للمساعدة على تغيير الصورة التي تحكم عليها من خلال هذا الضعف؛ المرأة ذات طبيعة تفصيلية في تعبيرها، والحقيقة أن السياق الثقافي الكلاسيكي الذي يصور المرأة ضعيفة جميلة مضطهدة، والرجل هو البطل المنقذ تكون هي الخلفية المظلمة في لاوعي كل امرأة لا تتجاوز التبرير، وكل رجل لا يرى المرأة إلا من خلال ضعفها ونعومتها».