سعد مشعان هزاع المرشدي
جاء مشروع تحول رأس المال البشري ضمن مبادرات رؤية المملكة 2030م وكثر الحديث خلال الفترة الماضية عن ماهية تحول رأس المال البشري وما هي أهدافه وآليات تنفيذه والنتائج المرجوة والسلبيات المتوقعة، ومن خلال اطلاعي على تجارب بعض الجهات الحكومية المتحوّلة يسرّني أن أتجول بكم في رحلة قصيرة على بعض النقاط الجوهرية لهذا المشروع الوطني وانعكاساته على حياة الموظف وتباين واختلافات تنفيذ المشروع بين الجهات الحكومية.
* مشروع تحول رأس المال البشري هو نقل موظف الجهة الحكومية من أنظمة التقاعد المدني وأنظمة الخدمة المدنية إلى نظام العمل والتأمينات الاجتماعية مع بقاء تبعية الموظف للدولة بخلاف التخصيص الذي تنقل تبعية الموظف للقطاع الخاص.
* يهدف هذا المشروع ظاهرياً إلى ضمان جودة الأعمال التي يقدمها الموظف وتحسين الوضع الوظيفي للموظف من خلال الرواتب والمزايا التي يمنحها نظام العمل للعمال سواء في القطاع الخاص أو العام.
* تنوَّعت آلية تنفيذ هذا المشروع بين عدد من الجهات الحكومية فمن الجهات من سعى إلى توفير سلالم وظيفية تتناسب مع رؤية وأهداف المرحلة الحالية واستحداث بدلات ومزايا جديدة تغري موظف القطاع العام إلى الانتقال إلى نظام العمل والتأمينات الاجتماعية، وهناك جهات كانت متعسفة في استخدام هذا الحق وذلك باستخدام التحول كأداة لتنفير الموظفين القائمين على رأس العمل والتخلّص منهم من خلال إجبارهم على توقيع عقود عمل بدون أي مزايا أو زيادة في الراتب أو النقل إلى جهات حكومية لا تتوفر لديها رواتب ومزايا تعادل ما كان يتقاضاه الموظف في جهته السابقة.
* تباينت الجهات الحكومية في المحافظة على الموارد البشرية التي لديها والاستقطاب الخارجي، حيث قامت بمنح رواتب فلكية للموظفين المستقطبين وفي المقابل قلّصت رواتب ومزايا الموظفين القائمين على رأس العمل.
* في المقابل قامت بعض الجهات الحكومية بتنفيذ مشروع التحول بطريقة احترافية راعت فيها خدمات الموظفين القدامى وجعلت لهم حرية الاختيار بين البقاء على النظام القديم أو الانتقال إلى نظام العمل والتأمينات الاجتماعية ويعتبر نموذج مشروع وزارة الصحة من المشاريع الناجحة التي ينبغي على الجهات الحكومية التي شرعت أو سوف تشرع في تنفيذ المشروع الاطلاع عليها والعمل من حيث انتهت وزارة الصحة.
* قامت بعض الجهات بتنفيذ مشروع التحول وفق ضوابط تنافي مبدأ العدالة والكفاءة بين الموظفين فقد أطلعت على إحدى التجارب، حيث تركز المعيار الأساسي والوحيد هو درجة اختبار الكفاءة الوظيفية الذي نفذته إحدى الشركات المتخصصة في مجال الموارد البشرية مما نتج عن هذا الاختبار استبعاد كفاءات وظيفية متميزة تأهيلاً علمية وخبرات عملية وفي المقابل تم التعاقد مع موظفين لا يمتلكون مؤهلات علمية أو خبرات عملية وبعضهم حاصل على تقدير غير مرض في الأداء الوظيفي وبعضهم محال إلى لجان التأديب.
* أحد مستهدفات مشروع تحول رأس المال البشري هو إعادة تأهيل وتدريب الموظفين القدامى وهذا المستهدف تجاهلته بعض الجهات واستبدلت هذا المستهدف ببرنامج أطلقوا عليه اسم التخارج الوظيفي وهدفه التخارج من الموظف بمنحه تعويضاً مالياً لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يغطي الالتزامات المالية الملقاة على عاتقه من قروض شخصية وقروض عقارية.
* بعض الجهات المتحولة لم تراع خدمات الموظف واقترابه من سن التقاعد المبكر، حيث ترتب على إلزام الموظف بالتحول من نظام التقاعد المدني إلى نظام التأمينات الاجتماعية حرمان الموظف من حق التقاعد المبكر وعدم استحقاقه للتقاعد المبكر لعدم الاستفادة من ضم الخدمات السابقة واللاحقة لأغراض التقاعد المبكر وفق نظام تبادل المنافع.
* وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وقفت أمام هذا المشروع موقف المتفرج الذي لا يعنيه شيء فلم تقم بمراجعة ضوابط التحول والتحقق من عدالة الضوابط بما يحقق العدالة بين الموظفين ولم تقم بالتنسيق مع الجهات الحكومية لنقل خدمات الموظفين الذين لا تنطبق عليهم معايير التحول أو الذين لا يرغبون في التحول، بل تركت الأمر للموظف يراجع الجهات الحكومية ويستجدي قبوله بوظيفته حاملاً ملفه الأخضر الذي أعاد للأذهان صورة الموظف حديث التخرّج الذي يبحث عن فرصة عمل له.
* تباين الجهات المتحولة في نوعية عقود العمل وصياغتها فمن الجهات من جعلت عقد العمل محدد المدة بسنة واحدة ومنها من جعلته سنتين مما يتطلب معه العمل على التنسيق مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للخروج بصياغة محددة لعقد العمل تراعي كافة الحقوق والواجبات التي أقرها نظام العمل وأنظمة الدولة المرعية.
وفي الختام أتمنى من الجهات التي تسعى لتنفيذ مشروع تحول رأس المال البشري العمل من حيث انتهى الآخرون والاطلاع على تجارب الجهات السابقة ومحاولة تلافي الأخطاء.
** **
- أخصائي موارد بشرية بنك التنمية الاجتماعية