خالد بن حمد المالك
يقول الرئيس الأمريكي إنه لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية من هدف في احتلال أفغانستان، وأنها خرجت بعد أن كانت تخسر يوميًا 300 مليون دولار على مدى عشرين عامًا، يا للهول كل هذا المبلغ اليومي تنفقه واشنطون لتسديد التزاماتها في احتلال هذه البلاد البعيدة عن حدودها دون أن يكون لها هدف.
* *
ومع أن الهدف الأمريكي المعلن للاحتلال الأمريكي - قبل أن يقول الرئيس الحالي ما قاله - أنه جاء لمطاردة فلول تنظيم القاعدة، والقضاء على الإرهاب، ومنع أفغانستان من أن تكون ملاذًا آمنًا لمن ينظمون صفوفهم للإضرار بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأن الاحتلال جاء انتقامًا للتفجير المدوّي الذي شهدته نيويورك وقضى على أشهر برجين في العالم، إلى جانب القتلى والمصابين الذين خلفهم هذا التدمير، إلا أننا نقبل من الرئيس بايدن هذا التصحيح المتأخر لما كان معلومًا لدينا من قبل.
* *
ولكن هل كان هذا الاحتلال يستحق كل هذه التضحيات بالأموال والأرواح، وأن تخرج القوات الأمريكية وحلفاؤها بهذه الصورة المؤلمة دون أن تترك أثرًا إيجابيًا لهذا الاحتلال، يكون محل الرضا من الشعب الأفغاني الذي عانى من مرارة الاحتلال الأمريكي، واكتوى من ناره، بعد أن كان قد تخلص من الاحتلال السوفيتي البغيض؟
* *
لقد حُيدت أفغانستان من أن ينال شعبها أي تطور بسبب احتلالين غاشمين، بل إن آثار الاحتلالين السلبية تمثِّلت في التدمير والقتل، وإقصاء الشعب الأفغاني عن أي علاقات مع الشعوب الأخرى، وزاد على ذلك بأن وضعا هذه البلاد في حالة من التخلّف تعليميًا وصحيًا، ومنع أي تطور يستفيد منه المواطنون، كما هي سياسة الاستعمار في الماضي والحاضر.
* *
إن أمام النظام الجديد مشواراً طويلاً لإدارة البلاد، فالخلافات بين التنظيمات الداخلية، جاء الاستعمار ليعزِّزها، وهناك خوف من دول العالم في أن تقيم علاقات مع نظام غامض سوف يحكم البلاد، إما بأسلوب تجربته السابقة، أو كما يصرّح قادته بأنه سيكون نظاماً تهمه مصلحة الشعب، وتطوير البلاد، وإشراك كل فئات المجتمع الأفغاني في الحكم.
* *
ومن المؤكد أن الأنظار تتجه الآن إلى كابول بانتظار تشكيل الحكومة، والإعلان عن السياسات التي ستدار بها البلاد، بما فيها العلاقات مع دول العالم، وحقوق الإنسان، وقضية المرأة، واحتواء المعارضة، والنأي بالبلاد عن أي مواقف لا تخدم الصالح العام للأفغانيين، ومن الحكمة وحسن التصرّف أن تراعي طالبان كل المستجدات والفوارق في حكمها قبل الاحتلال الأمريكي، وبعد تسلّمها الحكم إثر خروج آخر جندي أمريكي من البلاد.
* *
وكل ما نتمناه لأفغانستان وشعبها المسلم الشقيق الهدوء، والاستقرار، وتوفير الأمن، وبناء الدولة على أسس صحيحة، وتسريع تنفيذ برامج التنمية بعد سنوات عجاف عانى منها المواطنون - كما الفلسطينيون - ما لم يعانيه شعب آخر، وهذه فرصة على الأفغانيين عدم إضاعتها بالخلافات، والصراعات، وانتقام هذا الطرف من ذاك، بما لا مصلحة للدولة والشعب في ذلك.