د.شريف بن محمد الأتربي
يظل تاريخ الكون مجهولاً بذاته، ولكنه معلوماً بعظمائه، فيُروى أنه في عصر الحاكم الفلاني، أو الكاتب، أو القائد،... وغيرهم، فيبدأ التأريخ لهذه الفترة وتوثيق أحداثها مرادفاً للشخصية المؤرَّخ لها.
وفي يوم الحادي والثلاثين من أغسطس عام 1985م ولد في المملكة العربية السعودية فتى لم تتوان أي وسيلة إعلامية عالمية أو إقليمية أو محلية، مطبوعة كانت أو إلكترونية عن ترديد اسمه، ليس مرة واحدة، بل مرات عدة، في مواقف مختلفة، إنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، القائد الملهم المجدد، صاحب الرؤية، وقائد النهضة، والموحي إلى كتبة التاريخ بما تعجز أقلامهم عن سرده وتسجيله.
كانت طفولته عادية كأي طفل من أبناء الأسرة، ولكنه كان في حد ذاته مختلفاً، لم يكن محباً للعب والترفيه بقدر حبه للعلم والمعرفة، وخوض التجارب المفيدة لمستقبله، وشرفت باستقباله في المرحلة الابتدائية في مدارس الرياض ولازمته حتى تخرَّج منها، وخلال هذه الفترة التي تقارب 10 سنوات، اقتربت منه أكثر وأكثر، لاحظت خلالها ذكاءه الحاد وتميزه عن أقرانه وزملائه، كان قائداً بالفطرة، سريع الخطى، مقبلاً على العلم، مدبراً عن اللهو وإضاعة الوقت.
تميز الأمير محمد -حفظه الله- بالنظرة المستقبلية، ولم يكن راضياً عن أشياء كثيرة في المجتمع، ولا في آلية استثمار مقدرات الدولة وتطويرها لصالح أبنائه، قدِّر لي أن أجلس معه جلسة منفردة، بعد تعيينه مستشاراً لوالده أبان تولي خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- إمارة الرياض، ودار بيننا حديث طويل لا زالت حتى الآن محتفظاً بكلماته في ذاكرتي وبإذن الله لن أنساها أبداً، وكان من أهم ما ذكره لي -حفظه الله- عدم رضاه عن التعليم في المملكة، وأنه يرغب في أن ينال ولده سلمان تعليماً أفضل وأن يكون التعليم تشاركياً وليس تلقينياً، مبنياً على اكتساب المهارات، وليس المعلومات، وظلت هذه العبارات تنير دربي وطريقي في مجال التعليم، وطبَّقت ما استطعت منها أثناء تدريسي لطلابي، ولله الحمد كانت النتائج مبهرة سواء على مستوى الدرجات أو على مستوى التغذية الراجعة من أبنائي الطلاب.
كان الأمير -حفظه الله - في هذا اللقاء منشغلاً بكثير من الأمور، ورغم علمه بها تفصيلياً، إلا أنه يسألني في تفاصيلها كأنه لا يعرفها، فهو مستمع جيد، ومحلِّل متميز للمعلومات، لا يتوانى عن سؤال أي أحد من حوله، حتى لو لم يكن ذا منصب أو مسؤولية في المجال.
كان حزيناً على وجود فقراء في المملكة أو العالم، وكان دائماً ما يردد: بإذن الله حين أمتلك أمولاً لن يتواجد فقيراً في أي مكان إلا وساعدته، لتكون مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية (مسك) هي الأداة التي تحقق ذلك، فما من حلم ولا فكرة خطرت في باله -حفظه الله- إلا وتحولت لواقع نعيشه الآن، ولعلي اكتفي بمؤشرات جودة التعليم في المملكة لتعبّر عن إصرار سمو سيدي ولي العهد على تحقيق رؤيته، وتجسيدها على أرض الواقع، ومن هذه المؤشرات:
أعلن مؤشر «نيتشر» للأبحاث العلمية للعام 2021م -الذي يستخدم مقياس «الحصة»- عن تقدّم المملكة في حصة البحث العلمي، متقدمةً على باقي الدول العربية بدخولها قائمة الـ50 العالمية لأكثر الدول حصةً في جودة البحث العلمي، وحصولها على المرتبة الـ29على الترتيب عالمياً.
وكشفت الجداول السنوية لمؤشر «نيتشر»، التي ضمت 17 دولة عربية عن استمرار تصدّر المملكة والإمارات ومصر المراكز الثلاثة الأولى في القائمة على الترتيب منذ عام 2017، كان فيها إسهام المملكة بـ 64 % من إجمالي حصة البحث العلمي في العالم العربي. وأظهر المؤشر تقدّم عدد من الجامعات السعودية عالمياً في المراكز المتصدرة، من بينها جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست).
كما حققت 6 جامعات سعودية إنجازاً وطنياً وتقدماً علمياً وأكاديمياً؛ وفق أشهر مراكز التصنيفات العالمية (شنغهاي) لعام 2021م مقارنةً بالعام الماضي الذي حققت فيه 4 جامعات سعودية مراكز متقدمة في التصنيف.
وجاءت جامعتا الملك عبد العزيز والملك سعود ضمن أفضل 150 جامعة حول العالم وفقاً للتصنيف بعدما حققت جامعة الملك عبد العزيز المرتبة 101-150 على مستوى العالم للمرة الثانية على التوالي، فيما تقدم ترتيب جامعة الملك سعود عن العام الماضي، الذي كان 251-200 لتصبح 101 - 150 بين جامعات العالم.
ووضع التصنيف «شنغهاي» الجامعات الست ضمن أفضل 1000 جامعة عالمية، حيث حققت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية المرتبة من 201-300 للمرة الثانية على التوالي وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن المرتبة من 401-500 للمرة الثانية على التوالي، وحققت جامعتا الملك خالد والطائف المرتبة من 801-900 عالمياً ولأول مرة.
من جانب آخر تقدمت المملكة عالمياّ في جهود الجامعات لنشر أبحاث كورونا، محافظةً على المركز الأول عربياً، ومتقدمةً إلى المركز (14) عالمياً، فيما حقّقت المرتبة (12) على مستوى دول مجموعة العشرين، وذلك وفقاً لقاعدة بيانات شبكة العلوم Web of Science.
ونشرت الجامعات السعودية ما نسبته 84 % من إنتاج المملكة لأبحاث كورونا، حيث بلغ عدد الأبحاث المنشورة على مستوى المملكة 915 بحثاً علمياً خلال السنة الأولى من الجائحة.
واختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) منصة «مدرستي» ضمن أربعة نماذج عالمية رائدة في التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد، وذلك لتوثيقها ومشاركتها كإحدى التجارب المثلى، حيث حققت منصة «مدرستي» أكثر من 4 مليارات زيارة خلال العام الدراسي 2020-2021، وخدمة أكثر من خمسة ملايين طالب وطالبة في التعليم العام، إلى جانب تنفيذ 153 مليون فصل افتراضي بمتوسط يومي يتراوح بين 1 و 1.1 مليون فصل خلال فترة الدراسة، إضافة إلى إسناد أكثر من 4 مليارات واجب للطلاب والطالبات بمتوسط يومي 75.7 مليون واجب، وأكثر من 699 مليون اختبار في جميع المراحل الدراسية بمتوسط يومي 11.6 مليون اختبار.
وتميّز النموذج السعودي في التعليم الإلكتروني والتعليم عن بُعد بتعدد الخيارات التعليمية، ومرونة الأدوات المستخدمة، وبرامج التدريب المتنوعة، وأدوات التمكين للمعلمين والمعلمات، وكذلك عمليات الإشراف والمتابعة لتقديم التعليم التفاعلي التزامني وغير التزامني بطرق سلسة وأدوات إثرائية متنوعة بالاعتماد على المعلمين والمعلمات وجميع الكوادر التعليمية من مشرفين ومديري مدارس، بالإضافة إلى إتاحة الدروس المعيارية والواجبات والإثراءات والاختبارات لكافة المناهج الدراسية للطلاب في جميع المراحل التعليمية.
ويعجز القلم عن سرد وحصر كل الإنجازات التي حازها التعليم في المملكة منذ تولي سمو سيدي ولي العهد المسؤولية، ورفع راية التجديد، والتغيير، مع الحفاظ على الجوهر والأصل.
حفظكم الله سيدي وبارك في عمركم على طاعته.