د. محمد بن إبراهيم الملحم
يجب الإشارة أن الحديث عن تعليم لغة ثانية بجوار اللغة الأم (ثنائية اللغة) مثل تعلم الهنود للغة الإنجليزية جوار لغتهم الهندية يختلف عن تعلّم لغة «أجنبية» وتأثيره على تعلّم اللغة الأم وهو ما ينطبق على حالتنا بالسعودية فالإنجليزية ليست لغة ثانية تستخدم في الدولة بشكل منتشر، بل هي لغة «أجنبية»، ومما يؤسف له أن عدداً من الدراسات والكتابات العلمية السعودية تستخدم هذا المصطلح (ثنائية اللغة) أو اللغة الثانية في مناقشاتها لمسألة تدريس اللغة الإنجليزية لدينا، بل إني قرأت لاثنين متخصصين في اللغة الإنجليزية وتدريسها يستخدمون مصطلح اللغة «الثانية» في معرض حديثهم عن اللغة «الأجنبية»! في المقابل، أشيد بتحقيق مميز نشر في هذه الجريدة في عددها رقم 11266 الصادر بتاريخ 3 أغسطس 2003 تحدث فيه الدكتور الفاضل صالح الشويرخ الأستاذ بكلية اللغات والترجمة، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حديثاً وافياً وشاملاً وعلمياً بدرجة راقية وأسهب في شرح مفاهيم خاطئة كثيرة منتشرة حول تعليم اللغة الأجنبية، ومنها التمسك الخاطئ بأن إتقان اللغة مرتبط بالتعليم المبكر، وكذلك ادعاءات أن اللغة الأجنبية لا تؤثِّر على اللغة الأم (مع توضيح الخلط الفادح في هذا الشأن بين اللغة الثانية والأجنبية) وساق في شروحاته نظريات علمية ومبادئ أصيلة جديرة بالاطلاع، كما أنه حلَّل الواقع السعودي تحليلاً دقيقاً مبعداً بعض المغالطات والالتباسات، وأدعوكم إلى الاطلاع على هذه المقالة الثرية عبر الرابط https://www.al-jazirah.com/2003/20030803/cu1.htm حيث مضمونها جاء من متخصص متمكن أفضل مني في هذا المجال، ولكن من أجمل ما تناوله في تلك المقالة إشارته اللطيفة عندما يُقال بضرورة أن يتقن الطفل اللغة الأم فلا يقصد بذلك اللغة التي يتحدثها الطفل فهو يدخل الصف الأول الابتدائي متقناً لغته الأم في صورتها الشعبية العامية والتي لا تخدم العلم في شيء، ولكنه سيتعلَّم لغة «جديدة» نسبياً هي اللغة الفصيحة، وباختلاف عن المنهج الذي تعلَّم به نطق لغته المحلية من أبويه في المنزل فإن تعلّمه لهذه اللغة الجديدة لن يقتصر على فهمها والتحدث بها ولكنه سيكتبها، ويقرؤها، ولاحقاً سيطالب أن يتقن كتابتها إملاءً وخطاً، ومستقبلاً سوف يعربها ويتوج ذلك كله بأن يعبر بها من عنده في مقالة أو خطابة متقنة، وهذه مهمات ليست سهلة بالنسبة للطفل ويحتاج إلى وقت حتى يتقنها، ولا ينبغي أتزاحم هذه المهارات لغة أخرى تشوّش عليها بمهاراتها المختلفة، بل يأخذ الطفل وقته حتى يتقن هذه المهارات ثم ينتقل إلى لغة أخرى جديدة ليتعلّمها، أعتقد أن سنتين إلى ثلاث كافية لتعلّم الطالب لغته الأم في سياقها الفصيح لتقدم له اللغة الأجنبية بعد ذلك في الصف الرابع، وحتى لو قدمت في الصف الثالث مثلاً فلا بأس، خاصة إذا كان تعليم اللغة العربية في الصفين الأول والثاني مكثفاً ومقدماً بطريقة متميزة وداعمة للتعلّم وليس من خلال حصتين يتيمتين أسبوعياً كما أسلفت في مقالتي السابقة.
عندما أقول ذلك فإني أقف موقف الدفاع عن أطفالنا الذين سيقعون تحت هذا القرار «غير التربوي» فهم سيتعرضون لمشكلات تعلّم مصاحبة لهذه المادة ومنها عسرة الكتابة مثلاً والتي ما تحدثت عنها مع معلمين لهذه الصفوف في المدارس الأهلية والتي تدرس اللغة الأجنبية في الصفوف الأولى منذ زمن إلا وأيدوا مشاهدتهم لها من فترة لأخرى بين طلابهم، الدراسات والمشاهدة كلها تقول بوجود الظاهرة، ولا أدري ماذا تقول مشاهدات ودراسات وزارة التعليم لدينا! وأظن أن الوزارة ينبغي لها قبيل هذا القرار أن تنشر نتائج دراساتها «العلمية» لتجربتها للتبكير في تدريس الإنجليزية بالصف الرابع ومدى نجاح هذه الخطوة في إحداث تغيير ملموس في جودة طلابنا لغوياً قبل أن تقرّر تبكيراً أكثر في الصف الأول وبالتالي صرفاً مالياً أكبر! ما بيدنا هو نص التعليق الرسمي على القرار وأنه ينسب إلى مجموعة المبادرات التي اتخذتها الوزارة لـ «تطوير التعليم» والحقيقة أني وكثيراً غيري (وربما أغلب الناس) نفهم أن تطوير التعليم المنشود هو في تحسين التدريس لتحسين المخرجات، الأمر الذي سيكون من خلال مبادرات متعددة ينبغي أن تتمحور كلها حول عمليات التعليم من تدريس وتقنيات وأنظمة وتجهيزات وهندرة للعمليات الإدارية بما يتجاوز عقم الروتين ومشكلاته السلبية على كفاءة العمل. أما إضافة مواد جديدة فيمكن أن يكون تطويراً للتعليم لغيرنا ممن انتهوا من هذه القضايا منذ زمن أو هي ليست في أجندتهم أصلاً! ولا يزال للحديث بقية...