أن تكون الرياض أولى رحلات جلالة السلطان هيثم الخارجية فهو العمق السياسي المتبصر في الاتجاه المناسب والأنسب للبحث المشترك في قضايا ثنائية وإقليمية ودولية تمتلك قيادة البلدين في إدارتها من عمق الحكمة وبعد النظر، وللتعامل مع الأحداث كأهم الفاعلين في المنطقة.. أستحضر في هذه المناسبة بيت شعر للراحل غازي القصيبي عند افتتاح جسر الملك فهد الرابط بين المملكة ومملكة البحرين حين قال:
درب من العشق لا درب من الحجر..
وتخيلي وأنا أتابع هذه الزيارة المباركة ذلك الأفعوان الرابض على أمواج بحر الربع الخالي الممتد لي أكثر من 700 كيلومتر الرابط بين المملكة وسلطنة عمان يزيد في عقد لؤلؤتي محافظة الأحساء بالمملكة ومحافظة الظاهرة في عمان بعد أن تحدت إرادة القيادتين في تنفيذ هذا العملاق تضاريس الطبيعة وأزاحت أكثر من 130 مليون م مكعب من الرمال لتسهل على شعبي البلدين راحة التنقل. هذا الشريان العظيم الذي تحدى بناؤه قسوة الطبيعة كشريان تتدفق معه أسباب الحياة التنموية بإرادة أعظم لما تحققه مثل هذه المشاريع من اختصار الزمن والجغرافيا وتفتح آفاقاً أبعد لتسهيل التواصل بين البلدين والشعبين وتبادل المنافع في ظروف أفضل من السابق وما موعد افتتاحه القريب إلا يوم عيد من أعياد الفرحة لكلا البلدين.
لن نتحدث كثيراً فقد أوضح البيان المشترك جليا الواقعية السياسية للمملكة في علاقتها المتينة مع الشقيقه عمان والطموح للتنمية الذاتية والمشتركة المبنية على أسس تستجيب لمتطلبات ظرف الزمان والمكان.. سبر العلاقات الثنائية بين البلدين لا يحتاج إلى فكر أعمق لرسوخ أواصر العلاقة، علاقة أشقاء، أعود للبيان المشترك والذي أوضح وبما لا يدع مجالا للشك النية الصادقة وبناء على قواسم الماضي المشترك بالدفع إلى الأمام، إلى مستقبل أفضل لما فيه مصلحة البلدين والشعبين، وقد تضمن البيان رسائل عديدة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولما لقيادة البلدين من نظرة ثاقبة وإدراك عميق بمعنى الأخوة والروابط المشتركة بعيدا عن الاتجاه الواحد للمصلحة لترسيخ وسائل التواصل بين كافة المسؤولين على كافة الأصعدة مما يسرع في تتويج العوامل المشتركة للنجاح وترسيخ المواقف الثابتة لكلا البلدين من القضايا ذات الاهتمام المشترك يتوج هذا التوجه التنموي الإشارة إلى منطقة الدقم الاقتصادية، هذه المنطقة ستكون محركا واسعا للتنمية في الشقيقة عمان والاستثمار الأمثل لكافة القطاعات العامة والخاصة في البلدين ووعاء آمنا للاستيراد والتصدير (ربطا مع الشريان البري) وبيئة اقتصادية تشكل دافعا للحراك التنموي في منطقة الدقم التي تعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعلى مساحة تقدر 2000كم مربع تشمل ميناء وحوضا جافا لإصلاح السفن وميناء للصيد ومطارا إقليميا ومناطق سياحية وصناعية ولوجستية، كما تتمتع المنطقة ببعد استراتيجي لوقوعها على بحر العرب المفتوح بعيدا عن تقلبات وعقبات المضائق المائية في الخليج العربي.
انتهت هذه الزيارة وما تخللها من لقاءات أخوية مع خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين بجو أخوي أسري مفعم بالمودة والإخاء سواء في لقاءات رسمية أوخاصة، كانت الفرصة أكبر لأن يطلع الضيف الكبير على مدينة المستقبل نيوم والمشاريع المطروحة لها، وكانت زيارة جلالته إلى مركز إثراء المعرفي بصحبة سمو ولي العهد اطلع خلالها على أحدث التطورات وآخر المستجدات الخاصة بمشروع نيوم وقطاعاته والمشاريع الكبرى في كل من العلا والقدية وآملا والبحر الأحمر. هذه زيارة الدولة «المباركة» تضيء مساحات وتفتح آفآقا.