م. خالد إبراهيم الحجي
إن مستقبل الطاقة كما تتوقعه شركة بريتيش بتروليوم في تقريرها «استشراف مستقبل الطاقة 2035م» ، وهي إحدى الشركات العملاقة السبع التي تهيمن على صناعة الطاقة في العالم وتُعرف بالأخوات السبع، تتوقع أن يزيد استهلاك الطاقة بنسبة 34 % بين العامين 2020-2035 م، والحاجة إلى الطاقة الإضافية هي نتيجة النمو في اقتصاد العالم الذي يبلغ حجمه «GDP» 85 تريليون دولار تقريباً لعام 2020 بحسب بيانات البنك الدولي، فضلاً عن الارتفاع المتوقع في عدد سكان العالم بحوالي واحد ونصف بليون ليصل إجمالي سكان العالم إلى 8.8 بليون نسمة بحلول عام 2035 م. وهذه الزيادة المتوقعة في نسبة استهلاك الطاقة أخذت في الاعتبار نمو الاقتصاد العالمي، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، والتغييرات المستقبلية في الأنظمة والقوانين والتشريعات المنظمة لاستهلاك الطاقة. وعملياً كل الطاقة الإضافية المطلوبة سيتم استهلاكها من قبل الاقتصادات الناشئة المتنامية بسرعة، والزيادة في الطلب على الطاقة ستُغير مسارات العرض والطلب على النفط، خلال الفترة المقبلة إلى 2035 م، أهمها أن الولايات المتحدة الأمريكية ستصبح مكتفية ذاتياً بالطاقة، وفي الوقت نفسه، حاجة اقتصادات الصين والهند إلى الطاقة سيزيد من اعتمادها على استيراد النفط، ويرى السيد (بوب دودلي) العضو المنتدب لشركة بريتيش بتروليوم أن الآثار المترتبة على زيادة الطلب على الطاقة ستتجاوز حدود صناعة الطاقة اللازمة للاقتصاد العالمي، ويتوقع أن يزيد حجم الاقتصاد العالمي (GDP) بمقدار الضعف تقريباً في عام 2035 . ومع تحقيق المملكة العربية السعودية لأهداف رؤيتها المستقبلية التي أعلنت عنها إلى جانب تزايد الطلب على النفط خلال الفترة المقبلة نفسها، يتوقع للمملكة أن تمتلك ضعف قوتها الاقتصادية الراهنة التي منحتها مقعداً في مجموعة العشرين. وفي هذا السياق من المهم جداً أن نميز بين مكانة السعودية وبين مكانة الدول النامية الأخرى على المسرح الدولي؛ لأن المملكة تتمتع أيضاً بقوة مؤثرة إقليمياً وعربياً وإسلامياً، وستظهر نتائج التحول الوطني السعودي بوضوح أكثر بين الاقتصادات الناشئة خلال الخمس عشرة سنة القادمة، عندما يكون أيضاً السبب الضمني لخطة التحول السعودي سرعة اكتساب حصة معتبرة من كعكة الاقتصادات الناشئة؛ فمن الملاحظ أن محيط قوة التأثير الدبلوماسي والسياسي الذي تمارسه السعودية أخذ يتزايد بشكل كبير جداً خلال السنواتلماضية، وسيصبح أكثر تمحوراً وتفوقاً وتأثيراً في الشرق الأوسط. وماذا بعد زيادة الدور المحوري، وقوة التأثير الدبلوماسي والسياسي للسعودية في الشرق الأوسط؟ بالتأكيد نجد أن الظروف مهيأة للمملكة كي تحتل الصدارة والريادة في مجال القوة الناعمة للأسباب التالية:
أولاً: المملكة دولة غنية واقتصادها قوي والشعوب تطمح دائماً للرخاء وتميل للغنى؛ ولهذا السبب نجد الشعوب لا تتأثر بالدول الفقيرة، ولا تقتدي بها؛ لأن تأثيرها مقيد جداً، على عكس الدول الغنية التي تتصرف من منطلق القوة، وبدون معوقات تذكر للمحافظة على جاذبيتها، وقوتها الناعمة التي تتمثل في العلاقات الدولية الحميمة والمناشدة الدبلوماسية والسياسية.
ثانياً: الانخفاض الحاد في الوضع الاقتصادي الأوروبي، وتطبيق خطط قاسية لترشيد الاستهلاك، وانشغالهم بالمحافظة على تماسك الاتحاد الأوروبي. ناهيك عن سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه صعود نجم المملكة العربية السعودية على المسرح الدولي قوة اقتصادية وسياسية معتدلة في حد ذاته تجعل عملية إضفاء البصمة السعودية في العلاقات الدولية على قدم وساق، وعلى الأرجح أن هذه البصمة السعودية ستبرز بوضوح أكثر خلال الفترة قبل 2030م.
ثالثاً: المملكة العربية السعودية تختلف اختلافاً كلياً عن الدول الغربية؛ لخصوصيتها من حيث طبيعة نظام الحكم، وخدمة الحرمين الشريفين قبلة المسلمين وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهذا الاختلاف عامل يؤكد مفهوم «عدم الإلمام» أو بعبارة أخرى «عدم فهم المجتمعات والشعوب الغربية للخصوصية السعودية»، فحتى اليوم جميع القوى الرئيسية المؤثرة على المسرح الدولي، باستثناء قوة اليابان النسبية، قوى شرقية وغربية بالدرجة الأولى، والمملكة جذورها التاريخية والحضارية ليست شرقية أو غربية - ولن تكون في يوم من الأيام شرقية أو غربية - وإنما عربية إسلامية، والمملكة يمكن أن تستفيد من التقلبات والتأثيرات الشرقية والغربية ولكنها تظل قلباً وقالباً متميزة محتفظة بخصوصيتها؛ وبالتالي فإن المجتمعات والشعوب الغربية ستجد صعوبة في الإلمام بفهم خصوصية المملكة؛ ولهذا كثيراً ما يتم فهمها بطريقة خاطئة من قبلهم، والتحدي الذي يواجهونه في السنوات القادمة يتمثل في فهم الخصوصية السعودية، وعلى نفس المنوال فإن هذا الاختلاف الثقافي والحضاري العميق بين السعودية والعالم الغربي هو السبب في نمو التأثير السعودي المتزايد على المستوى الإقليمي والمسرح الدولي «قدرة الهيمنة» وقوة التأثير السعودي في منطقة الشرق الأوسط تعمل بسرعتين مختلفتين؛ قوة اقتصادية مؤثرة تتحرك في المسار السريع، وقوة التأثير الثقافي والحضاري يقتصر عملها إلى حد كبير في المسار البطيء على الأقل في المستقبل المنظور. وهنا تكمن قوة الجاذبية السعودية على عدد كبير من الدول المختلفة في العالم، تمتد من شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا مروراً بالدول الأوروبية إلى أمريكا اللاتينية.
إن السرعة التي بواسطتها يستمر نجم السعودية في الصعود في الشرق الأوسط والمسرح الدولي مرهوناً بالسياسة التي تنتهجها المملكة، ومدى تجاوب الدول الأخرى مع سياساتها. وصعود نجم المملكة العربية السعودية يتميز بالحذر والتأني والعقلانية، لأنها واثقة كل الثقة من مكانتها على المسرح الدولي، كما تدرك أن الخطر الشديد على مكانتها الإقليمية يأتي من بعض الدول التي تخاف من السعودية أن تحتل مكانها وتزيحها عن مقعدها في التأثير الإقليمي، أو تشعر أنها مهددة من صعود قوة التأثير السعودي في منطقة الشرق الأوسط، مثل: تخوف إيران من فقدان قدرتها على إثارة القلاقل، وخسارتها للمكاسب الفاسدة التي حققتها، لذلك ستظل تحاول جاهدة تعطيل صعود النجم السعودي بشتى الوسائل، وكل الطرق في المنطقة لعجزها عن إيقاف صعوده على المسرح الدولي. والطريق الحميد الذي يجب أن تنتهجه إيران وتابعتها لبنان مع مرور الوقت، في ظل استمرار صعود نجم السعودية، هو القبول والتأقلم معه والتسليم به، كما يجب على إيران أن تتخذ إجراءات جوهرية، وتغييرات جذرية عميقة في السياسة التي تنتهجها في منطقة الشرق الأوسط، ابتداءً بالتوقف عن إثارة القلاقل والكف عن دعم الإرهاب. وفي الوقت الراهن، تشير الانقسامات السياسية في الدولة اللبنانية بين رافض ومؤيد لتبعية إيران، وأنها ربما تكون أكثر تأهيلاً واستعداداً لتقبل الواقع الجديد، والتأقلم مع متطلبات الجيوستراتيجية السعودية أكثر من إيران التي لا تزال في حالة إنكار لصعود النجم السعودي، في منطقة الشرق الأوسط وعلى المسرح الدولي.