علي الخزيم
تلكم هي قاعدة سَلِسة لا تحتاج لكثير من الجهد تناسب ذوي الدخل الأقل؛ تحتاج للإرادة والتصميم وحساب ما سيكون بدونها، ومن المفيد استثمارها لترويض سلوك الأطفال على الانضباط التَّسوّقي، وكبح الاندفاع نحو المشتريات غير الضرورية حتى وإن كنا نأمل باقتنائها، وما أكثر المأمول والمرغوب لو أطلقنا لأنفسنا العنان وأرضيناها بكل ما تشتهي على حساب ما يُمليه العقل والتجارب القائلة بأن (القرش الأبيض لليوم الأسود) وما يتنافى مع (اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب)؛ فالجملة الأولى أقرب للواقع ولا تعني البُخل والشُّح أبداً؛ بل هي دعوة للاقتصاد والتدبير وحساب العواقب جراء تبذير المال بغير وجهه، فيما تدعو الأخرى لاتباع الشهوات وما تميل إليه الأنفس، والانجراف أمام المظاهر وزُخْرُف العروض التجارية ليجد المرء نفسه نهاية الطريق صِفر اليدين والجيوب من المال، وتمر الشهور والسنوات حتى يُفيق ذات يوم من غفلته أمام أمر مُلِحّ ليَعُضَّ أصابع الندم قائلاً: ليتني اتَّبَعت سبيل العقلاء وطبَّقت قاعدتهم (كأني فعلت، وكأني اشتريت، وكأني أكلت)! فهي قاعدة (ترك ما لا يلزم حينها لما سيلزم حيناً آخر)، فحين نُقنع أنفسنا (وأطفالنا) بالحَدِّ من الوجبات السريعة وجلب المُثلجات والحلويات والألعاب المتنوِّعة للأطفال وتقنينها لمناسبات وأوقات محددة وبلا إسراف نكون قد وفَّرنا جزءًا من المال (بشرط أن نُحيل مبلغ الشراء التقديري لصندوق التوفير العائلي) كما نعوِّد بذلك الأطفال على الانضباط الشرائي وتعليمهم أن الاحتفاليات تتم دون سرف وبطر، ثم نشرح لهم أن بعضاً مما نوفّره سنتصدق به جميعاً للأيتام والفقراء، ونكشف لهم أن أولئك مثلنا يُحبون الحلويات والمثلجات والترفيه، غير أنهم لا يدركون ثمنها؛ فهلَّا ساعدناهم ليُحبنا الله سبحانه؟! وستكون بالتأكيد تجربة ناجحة جداً إذا ما تمت بحكمة وهدوء وتشويق يناسب عقول الصغار، وستكون دروساً راسخة بأذهانهم تكبر معهم وتنمو كغيرها من السلوك والعادات المحمودة.
القاعدة ذاتها يمكن أن تكون سبباً لتحقيق مشروع كبير كنا نحلم به كالمنزل والسيارة أو قطعة أرض أو تجديد فرش وأجهزة منزلية وإلكترونية، الأفكار الصغيرة تكون مُدهشة حين نرعاها ونطورها ونُخضِعها للعقل والواقع، وكم من ناجح بحياته سعيد بيومه لا يشعر بضيق ذات اليد نتيجة لانضباطه وتعقُّله بالمصروفات المادية والتركيز على الضروريات والصدود قدر الإمكان عن الكماليات والترفيهيات، ليس حرماناً ولكنه الفكر المُتأني المُتبصر المُقدِّر للمال؛ المُتَحسِّب للمآلات غير المتوقعة، فليس من المقبول أن تشاهد مراهقاً يأخذ مصروفه من ذويه ثم يتوجه لمحل القهوة والحلويات فيبعثر المال خلال ساعة مع أصدقائه الذين يفعلون ذات الخطأ ويُرهقون من يصرف عليهم بدافع الحب أو للتشجيع على المذاكرة ونحو ذلك، ومثلهم من يتابع آخر إصدارات الأجهزة المحمولة ليتباهى بالجديد أمام الأقران ليعجب به بعضهم؛ أما أكثرهم سيردد المثل المعروف: (لابسه خلاخل والبلاء من داخل)! والخلاخل حِلية نسائية قديمة من الفِضَّة غالباً؛ تُحيط بالسّاقين ويصدر منهما رنين حين تَلَامُسها أثناء المشي للتباهي بها! ويَصْدُق المثل على البعض حالياً؛ فمثلاً السيارة فارهة جميلة باهظة الثمن (والرصيد البنكي يَرقل)!