تتميز شخصية الدكتور أمين ساعاتي بالثراء المعرفي، وتعدد الأبعاد، وتنوع الإبداع، مما يصعب معها أحياناً قراءة واحتواء وتناول إسهاماته العلمية، والعملية في مجال الدراسات الأكاديمية، وإعداد الموسوعات، وكتابة المقالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية. فالحديث عن تجربة الدكتور أمين فكأنما نستعرض مشوار عدة تجارب في تجربة واحدة، وعدة مبدعين في مبدع واحد، ومجموعة نجاحات في مشوار حياة حافل، وسلسلة إنجازات في سجل رجل واحد، وتتضاعف معها المسئولية باستعراضها في مقال واحد.
فالدكتور الساعاتي متفاني في الأداء، والإبداع، والإنجاز، متجدد الأفكار، يزداد تألقاً في عطائه، وإصداراته شعلة في النشاط، يشهد على ذلك سيرته ومسيرته العلمية والعملية منذ بداية الستينات وحتى الآن، فقد قدم العديد من الدراسات، والإصدارات رفيعة المستوى، فهي خلاصة جهده وفكره، ومنهجه، وقيمة الساعاتي لا تكمن في عدد الإصدارات والدراسات التي أنجزها، وإنما قيمته تكمن في أنه صاحب رؤية علمية منهجية جادة، ورصينة، فقد قدم الكثير للوطن في مجال التوثيق الرياضي، والاجتماعي، تعددت جهوده الملموسة، وتعددت إنجازاته. وبالتالي تتضاعف الاستفادة، وتتعاظم وتتعدد الدروس، والعبر أمام أجيالنا الباحثة عن نموذج وقدوة، للتعرف على قصص نجاح مبهرة، تكون حافزاً لها في مواجهة المستقبل وما يحمله من تحديات.
وباستعراض فكر الدكتور أمين ساعاتي، نجد أبعاده متشعبة تلتقي، وتمتزج في بلورة واحدة، نراها من زوايا متباينة في مساهمته في تشكيل ثقافتنا، وفكرنا الوطني. فمن ناحية، كتاباته في التوثيق الاجتماعي تضمنت إبرازه لصور مضيئة لشخصيات عاشت فينا ومنا، وتوثيق مشاهدته لتاريخ المدن، وعادات وتقاليد أبنائها.
إن كتاباته تمتاز بالأسلوب السلس، والبناء المنطقي في عرض المعلومات، ومنهجية في التفكير في الانطلاق من الذاكرة لملامسة الواقع، وممارسة فعل الحضور المتناغم مع الزمان والمكان، مع القريب والبعيد هي علاقة تحكم الذاكرة والحضور في الحياة الإنسانية، ورسالته في إبراز القيم، والمفاهيم، والمبادئ الوطنية، التي يحاول ترسيخها في الذاكرة وتكريسها في الوجدان، وهو بمثابة دور ريادي في توثيق تاريخنا الوطني.
فكتاباته عن مدينة جدة، هي قراءة، وسباحة من شخصية استثنائية في المعرفة، والمنهج. قراءة تعتمد على اكتشاف مناطق الالتقاء بين قصة حياة رجل من خلال مدينة، وقصة حياة مدينة من خلال رجل يمثل أحد أهم مثقفيها، وهي تأكيد على ملامح التأثير والتأثر بين المدن، وعشاقها على المستوى الإنساني، والفكري، والوجداني، والعلاقة التي تحكم الإبداع، وهواجس الاحتفاء بقيمة المدن، في العقل، والقلب، والواقع، والحياة.
إن للساعاتي، قراءة تحليلية للجماليات الزمانية، والمكانية لمدينة جدة، افتتن بتاريخها، وجغرافيتها، حتى أصبح مؤرخاً لها، معتزلاً في صومعتها، متأملاً ملامحها، وسحر جمالها. إنها حالة خاصة في التفاعل لأسرارها بين العاشق، والمعشوق، إنها كيمياء معقدة للكتابة التي يحاور معها الشغوفين بقراءة المدن، والمفتونين بتاريخها، وأسرارها، وخفاياها. فهو يقدم حقائق عاصر أحداثها، في بناء منطقي للأحداث.
إن من تصدوا للتأليف، على طول الفكر البشري، كرسوا حياتهم بطولها وعرضها في جمع ورصد وتوثيق وتحليل قضايا ومشكلات مجتمعاتهم. وما نلمسه في تنوع المؤرخ أمين الساعاتي بإنتاجه الفكري الغزير في مجال التوثيق، والدارسات، فضلاً عن غزارة إنتاجه في المقالات الفكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، عبر الصحف الورقية، والإلكترونية، تعكس فكراً، ورؤية وطنية، ومشروعاً إنسانياً معرفياً، في التنمية، والحضارة، والتقدم الذي أثرى بها العقل بمعلومات مهمة في شتى صنوف المعرفة، وسد بها فراغاً كبيراً في مكتبتنا الوطنية، والعربية، والتي تسمو بالفكر إلى أسمى درجات الرقي العلمي، ملتزماً فيها بقضايا وطنه وأمته.
إن الدكتور أمين الساعاتي يستحق، تكريماً، على مستوى يليق بحجم هذا الإنجاز، وله من اسمه نصيب، فهو الأمين في التوثيق الاجتماعي والرياضي.
** **
- متخصص بالتوثيق الإعلامي