تعرف السعادة على أنها الشعور بالبهجة والارتياح النفسي لدى النفس البشرية، لهذا كان هناك سعى حثيث للوصول إليها بشتى الطرق وصور مختلفة قولية وسلوكية سوء على مستوى فردي أو جماعي، تناولها العديد من الفلاسفة عبر الزمن بشكل مكثف ومعمَّق في بحث ونقاش في محاولة لبلوغها أو تحقيق بعض منها لما لها من أثر على حياة الإنسان، والذي نرى نتائجه ومدى الاهتمام بها في مثال حالة إعلان الاستقلال الأمريكي عام 1776م الذي أقر بأن (السعي نحو السعادة) حق من حقوق الكائن البشري لا يجوز المساس به.
وسوف نأخذ واحدًا من هؤلاء الفلاسفة وهو الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل الذي تناولها بشكل طريف عبر كتابه (انتصار السعادة) الذي حلق بفكره في آراء من الواقع وبشكل مبسط غير متكلف تصل القارئ العادي، ولن أسهب كثيراً في ما طرح في الكتاب سوف اكتفي فقط بذكر جانب متعلق بالسعادة في (العمل) الذي كان مشوقاً يدل على عمق نظرة هذا الفيلسوف نحو السعادة، بداية قال إن العمل الزائد يكون مؤلمًا جداً، ولكن قياس مع البطالة يمكن أن يكون أشد إيلامًا مع عمل بسيط يجلب الكآبة، ويضيف إلى أن الناس لو تركوا أحرارًا في ملء أو قاتهم وفقًا لاختيارهم فسيتحيرون في التفكير في شيء ممتع بدرجة كافية ليستحق عمله، ومهما كان العمل الذي سيقرون القيام به فسيؤرقهم الإحساس بأن شيئاً آخر ربما يكون أكثر إمتاعاً. ويضيف كذلك بأن ميزة للعمل بأن الإجازة أكثر بهجة عندما تأتي، وأن الشخص يجد لذة أكبر في وقت الراحة مقارنة بالشخص العاطل شريطة أن لا يكون عمل الشخص شديدًا يؤدي إلى تلف صحته، ويقول إن العمل المدفوع الأجر وبعض الأعمال غير المدفوعة الأجر إنها فرصة للنجاح ومجال للطموح الذي يزيد من مستوى الدخل، وأن الاستمرارية في تحقيق هدف يعد من أهم المكونات الضرورية للسعادة على المدى الطويل، ويقارن بين النساء ربات البيوت والنساء اللاتي يعملن خارج المنزل، يقول إن المرأة تعمل في خدمة زوجها دون آجر، فهي تقوم بعمل واجب داخل الأسرة، وأن العمل المنزلي لا يوفر للأغلبية الساحقة إشباعًا بالدرجة نفسها التي يوفرها عمل مختلف.
ويضيف كذلك في أن العمل عندما يكون مشوقاً بمقدوره أن يمنح الإشباع بدرجة أعلى جداً من مجرد تفريج الملل، ويقول إن هناك عنصرين مهمين يجعلان العمل مشوقًا، هما ممارسة المهارة والبناء أو التشييد. ويذكر أن الطبيب الجراح القدير يستمد الإشباع عن طريق الدقة الرائعة للعمليات التي يجريها رغم الظروف المؤلمة التي يعمل فيها، ومع زيادة المهارة والتنوع فيها تصل إلى التحسين مع الوقت، يترافق هذا مع البناء الذي هو قمة النجاح والذي يضرب في تشييد بناء الذي يتطلب جهداً ووقتاً أنه مصدر عظيم للسعادة عندما يكتمل وفق ما خطط له.
ويذكر في أن عملية الإشباع في العمل الذي يتطلب مهارة كبيرة ومثال ذلك في إنتاج أطفال متميزين الذي يعد عملاً بناء صعبًا ومع ذلك يوفر إشباعًا عميقًا، وقد يختلف البشر في النظر إلى حياتهم، فهناك أشخاص يعد هذا الأمر شيئًا طبيعيًا لهم ويكون ضرورياً للسعادة أن يفعلوا بقدر من الرضا، ولكن لآخرين يعتبر سلسلة من الحياة المنفصلة بلا حركة موجهة أو ارتباط، وهنا فإن الذين يسعون إلى السعادة بطريقة متدرجة هم الأقرب إلى تحقيق ذلك لأنهم يستمدون الرضا واحترام النفس بينما الآخرون الذين تعصف بهم الظروف هنا وهناك لن يصلوا إلى الهدف.
ولهذا يجب النظرة إلى الحياة نظرة ضرورية تكون الحكمة والأخلاق الحقيقية أساسهما التي يجب أن تشجيهما في عملية التعليم والتي لا تعتبر هدفاً ثابتًا لتحقيق السعادة، لكنها شرط لا غنى عنه للحياة السعيدة. ونحن هنا ومن ديننا الإسلامي نقول إن السعادة في العمل أو غيره هي نعمة من الله.