أ.د.عثمان بن صالح العامر
خلعتُ ثوب اصطبار كنتُ ألبسهُ
وبان كذب ادّعائي أنني جَلِدُ
بكيتُ حتى بكى من ليس يعرفني
ونُحتُ حتى حكاني طائرٌ غرِدُ
(إنّا إلى الله) قولٌ يُستراح بهِ
ويستوي فيه من دانوا ومن جحدوا
بهذه الأبيات المؤثِّرة نقل لنا (عبد الرحمن) الابن الأكبر للأديب المعروف أحمد بن يحيى بهكلي صبيحة يوم الأربعاء الماضي 17-1-1443هـ نبأ وفاة والده العزيز، عبر حسابه في «تويتر»، فبكاه من بعد ونعاه كل من عرفه.
نعاه الأمراء، والعلماء، وأهل القرآن، والشعراء، والأدباء، والمثقفون، والنقاد، والكتاب، والتربويون، والأكاديميون، والحقوقيون، والمؤرّخون، والخيّرون، وأهل البذل والعطاء والجود والسخاء، نعاه الخاصة والعامة على حد سواء، نعته الأرض والسماء، بكاه موطن سجوده الذي كان له موعد معه كل مساء، كما بكته السماء التي يصلها ذلك الدعاء الخاشع من فمه الطاهر -رحمه الله. قيلت فيه قصائد الرثاء، وكتبت عنه كلمات الوفاء. عرفته عن قرب رقيق المشاعر، صادق القول، دمث الخلق، لسانه رطب بذكر الله، حريصاً على مد جسور التواصل مع من يحب، حتى حين مُرض لم يمنعه وضعه الصحي من المجيء للقاء الأخير الذي التقيت به في مدينة رسول الله التي ودعها بقصيدة عصماء تناقلتها الركبان.
رحم الله أبا عبد الرحمن الذي كان أنموذجاً رائعاً للأخوة الصادقة، والمواطنة الصالحة، والمثالية القيمية النادرة. كان التواضع ديدنه، ونكران الذات طبعه، واحترام الكل سجيته، فعلى سبيل المثال لم يعرف الكثير منا من نعد أنفسنا من القريبين له أنه كان معلماً لمعالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن السديس حتى أعلن هذا السر فضيلته إبان تشريفه حفل جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجازان إذا قال -حفظه الله- ما نصه: (... ولأهل جازان فضل علي خاصة أستاذي في معهد الرياض العلمي الذي ألقى القصيدة الغراء الدكتور أحمد بهكلي، وإن كان لا يريد أن أشيع هذا السر لكنه فضل ووفاء أجده في عنقي لا بد أن أبوح به).
كان -رحمه الله- مولعاً بالكتاب، محباً للقراءة والاطلاع، فما من معرض إلا وسبقني إليه، ونصحني أن اقتني هذا المؤلف أو تلك المخطوطة، وكنا في كل لقاء يجمعنا سواء أكان رسمياً أو خاصاً يشعرني بأن لي بيتاً في جازان.
رحم الله أخي وحبيبي وصديقي (لبيد جازان، شاعرها الفذ) الأديب الرائع، والإداري الناجح، والمثقف والكاتب والأكاديمي بامتياز، أحمد بن يحيى بهكلي وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياضه، ولياليه هذه أسعد ليالي العمر، وزرق أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنني في هذا المقام وأنا أعزي أولاده وإخوته وأقاربه ونفسي من بعدهم أتمثّل قول الشاعر:
إني معزيكَ لا أنيِّ على ثقة ٍ
مِنَ الخُلودِ، وَلكنْ سُنَّة ُ الدِّينِ
فما المُعَزِّي بباقٍ بعدَ صاحِبِهِ
ولا المُعَزَّى وإنْ عاشَا إلى حَينِ
وإلى لقاء بإذن الله، والسلام.