غرّد حساب قسم التاريخ بجامعة الملك سعود على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، بنعى عضو هيئة التدريس في القسم د. نورة بنت عبدالله بن علي النعيم أستاذ التاريخ القديم المشارك، والتي انتقلت إلى جوار ربها يوم الاثنين 8 محرم 1443هـ، سائلين المولى أن يتغمدها بواسع رحمته، وعظيم مغفرته.
وما لبثت أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، وقروبات الدراسات العليا بنبأ الوفاة، وكما نعلم فمثل هذا الخبر وقعه عظيم وتأثيره جسيم حتى على البعيد، فكيف الحال بمن كان قريباً من الفقيدة الغالية، -إنه الموت ما منه مفر ومهرب- فالله المستعان. لقد كان نزول الخبر على زميلاتها، وتلميذاتها، ومحبيها كالصاعقة، وأنا أولهم، أشهد أن الموت حق، ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا راد لقضائه، ولا نقول إلا أحسن الله عزاءنا، وعزاء أهل الفقيدة، وجبر الله كسر قلوبنا، وقلوبهم على فراقها، وتغمدها بواسع رحمته، وأسكنها فسيح جناته وألهمنا وإياهم الصبر والسلوان.
وتعد الراحلة د. نورة النعيم -رحمها الله- أحد أركان قسم التاريخ بجامعة الملك سعود، وأبرز أساتذة التاريخ القديم في تخصص تاريخ الجزيرة العربية القديم؛ فلقد حصلت على درجة الماجستير من جامعة الملك سعود عام 1409هـ، والمعنونة: بـ»الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الثالث الميلادي»، وهو كتاب منشور الآن. كما حصلت على درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها عام 1418هـ، وعنوان رسالتها: «التشريعات في جنوب غرب الجزيرة حتى نهاية حمير» وهو منشور أيضاً.
وأشرفت -رحمها الله- على العديد من الرسائل العلمية لطلاب وطالبات الدراسات العليا، وناقشت العديد منها أيضاً، ولها عدة مؤلفات وأبحاث علمية منشورة في مجلات علمية محكمة منها: بحث «التطور التاريخي في منطقة القصيم في عصر ما قبل الإسلام»، وبحث «علاقة الدولة الساسانية بالإمارات العربية في جنوب وادي الرافدين والهلال»، وهو منشور في مجلة دول مجلس التعاون لدول الخليج عبر العصور.
أما على الصعيد الشخصي فتعود معرفتي بمعلمتي وأستاذتي د. نورة -رحمها الله- لأكثر من عشر سنوات، منذ دراستي لمرحلتي البكالوريوس ثم الماجستير في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود. ومما لا شك فيه أن الكتابة عن إنسان رحل عن دنيانا ليس بالأمر السهل، والقلب يعتصره الألم، والدموع ما زالت رطبةً في المحاجر، وألم الفقد لا يعدله ألم، فمهما سطرت في مقالي هذا عن أستاذتي د. نورة فلن أوفيها حقها، وسأكون المقصرة.
وقد درست على يديها -رحمها الله- بعض المواد في مرحلة البكالوريوس، وأُشهد الله أنها كانت محبة للعلم، وتسعى جاهدة لإيصال المعلومات للطالبات بكل الطرق، كما كانت حريصة على طلب العلم، وتشجع الطالبات لإكمال تعليمهن، والالتحاق ببرنامج الدراسات العليا، ومما يُحمد لها رحمها الله فتح مكتبتها لطالبات العلم من الدارسات في القسم فجعل الله ذلك في موازين حسناتها، وقد حضرت معها العديد من المناقشات العلمية، والندوات التي عقدها القسم سواء بالجامعة أو خارجها؛ فكانت رحمها الله مثالاً للخلق الرفيع، محبةً للجميع.
أما أبرز موقف بيني وبينها -رحمها الله- فكان عند اختيار موضوع رسالتي، فقد حدث لي مشكلة أكاديمية، وطال الوقت على إيجاد حل لها، وكنت في تلك الأيام أواجه أصعب اختبار لي في حياتي؛ وهو فقدي لوالدي -رحمه الله- فقد ارتأيت حينها أن أترك الدراسة، خصوصاً وأن والدي -رحمه الله- كان المشجع الأكبر دائماً لي لإكمال دراسة الماجستير، وكانت د. نورة وكيلة قسم التاريخ في تلك الفترة، ولقد كانت بمثابة الأم للطالبات قبل أن تكون وكيلة، فشدت من أزري وهونت علي المشكلة، وفكرت بحل لها وأخذت بحلها وتم انهاء المشكلة باقتراحها -رحمها الله-، كنت أتساءل وقتها هل عمل وكيلة القسم يقضي بأن تتحول وكيلة القسم إلى أم حقيقية تساند طالباتها وتحل مشاكلهن؟ أم أن الإنسانة العظيمة التي تسكن قلب دكتورة نورة النعيم هي من أمرتها بذلك الإحسان والعطف علي، الذي ما زلت أحتفظ به في خانة من قلبي لا يمكن أن يتسلل إليه النسيان.
وأخيراً بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ننعى صاحبة القلب الأبيض، والذكر الطيب، والوجه المبتسم، أستاذتنا الغالية وأمنا الفاضلة د. نورة النعيم، رحمها الله وغفر لها، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، وجزاها الله عني وعن جميع الطالبات خير الجزاء، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أستاذتنا العزيزة لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني