رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
ورقة سقطت من شجرة العائلة تحمل اسم محمد بن علي بن ناصر بن خالد بن عبدالعزيز بن رشيد بن عبدالله بن رشيد بن زامل بن علي بن محمد أبا الحصين آل محفوظ العجمي.. حملت كغيرها الأسى والحزن لأنها تعني الفراق والوداع الأخير.
لكن برحيل العم محمد فقدنا من كنا نأنس بمجلسه وحديثه ويأسرنا بكرمه وحسن استقباله، كثير السؤال عن الأهل والعشيرة.
رحل أبوعلي صاحب الباب المفتوح والجود والسخاء، رحل بعد رحلة حياة طويلة في محطات مختلفة، وجهات عديدة، كان يترك الأثر الطيب، والذكر الحسن في كل مجتمع مر به، ومكان وقع فيه، وهذا ليس بغريب، فهو سليل كريمين، فوالده الوجيه (علي الناصر الرشيد) المتوفى عام 1390هـ، لا تطفأ ناره، ودائماً كلمة (إقلط) على لسانه، عمدة في عائلته، كريم مع جيرانه، من أعيان الأهالي، يروى أن الشاعر خلف الوقيت قال فيه:
يا علي بن خالد قضى البن والهيل
الله يجيبك يا علي بالسلامة
يا علي يفدونك هل الفطر الحيل
ويفداك رجل ما يعرف الشهامة
يا علي لا عدو زحول الرجاجيل
أنت الكريم الشيخ رأس الزعامة
أما جده لأبيه فهو الفارس البطل ناصر الخالد الذي شهد له المؤرخون بشجاعته وإقدامه، فقد شارك في سطوة عنيزة عام 1322هـ ضمن جيش الإمام عبدالعزيز، وساهم في الذود عن ديرته الرس حيث قتل في وقعة الجندلية، وقال فيه الشاعر والباحث التاريخي صالح بن محمد المزروع واصفاً المعركة:
وبالجندلية معركة مستعيرة
تشهد بطولة ربعنا وقت الأرماس
ذبحولنا فرسان ما هي معيرة
بالغدر والحيلة مثل فعل الأنجاس
من ضمنهم فارس سيوفه شطيرة
ذا ناصر الخالد كسب كل نوماس
أما والدة محمد فهي منيرة بنت محمد بن عبدالله المطوع الغفيلي، أمٌ فاضلة ومن أسرة كريمة.
وأحسن الحالات حال أمرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
ولد العم محمد في عام 1356هـ وعاش طفولته بالرس وتعلم في مدرستها الابتدائية وواصل تعليمه بالمدرسة الخالدية بالرياض.. ثم انطلق رحلة العمل والعطاء لخدمة وطنه في مواقع مختلفة كانت إمارة تبوك هي نقطة البداية، ثم مشروع الخرج ووزارة الزراعة لينتقل إلى العمل في نجران لمدة 16 سنة.. واستمر أبوعلي في خدمة الوطن لكن من خلال وزارة الشؤون البلدية، والقروية فترأس بلدية شرورة، ثم رماح، واستقر به الحال رئيساً لبلدية الدلم، والتي شهدت في وقته النمو والتطور وافتتاح مبنى البلدية، وتنفيذ العديد من المشروعات، والحدائق والشوارع والإنارة الحديثة.
كان رحمه الله يحب العمل الميداني ومتابعة المشاريع بنفسه.. مما جعله يكسب حب الأهالي، وبقي تواصلهم معه حتى بعد التقاعد، فكثيراً ما أكرموه بالزيارة في بيته بالرياض، وفاء لإخلاصه واجتهاده وسيرته العطرة وذكره الطيب.. وقد قام مندوب الجزيرة الإعلامي فهد الموسى بإجراء مقابلة مع أبي علي وافية شاملة في عام 1411هـ تحت عنوان (رئيس بلدية الدلم في حوار مع المواطنين عبر الهاتف).
اختتم العم محمد حياته الوظيفية رئيساً لبلدية العيينة، حيث أحيل للتقاعد وتفرغ لأسرته واستقبال ضيوفه والاهتمام بهوايته الموروث الشعبي والسيارات التراثية.
قد مات قومٌ وما ماتت فضائلهم
وعاش قومٌ وهم في الناس أموات
العم أبو علي شخصية رحلت لكن ستبقى حية بسيرتها الناصعة وذكراها الطيبة اللتين حضرتا من خلال الشعر والتغريدات التي حملت الثناء والأسى، يقول فيه الشاعر أحمد عبدالله العراده من الكويت أبياتاً منها:
البارحة ساهر من الهم مفجوع
واللي فجعني فاجعن للجماعة
يا بوعلي مالي حيلة لا ولا صوت مسموع
والقلب من فرقاك زايد رماعه
يا مكرم الضيفان والباب مدلوع
مصدده ومنزال بيته رفاعه
وقال عنه المؤرخ والباحث بالأنساب محمد عبدالله المزيد (أنا أشهد والكل يشهد أنه من الرجال المعدودين بالكرم والشهامة والفزعات للجماعة محب للجميع وبابه مفتوح ووجه رجال..)، ووصفه الأستاذ محمد المالك أبو أحمد (عرفناه من صغره يتحلى بالأخلاق الحسنة والصدق والإخلاص والبساطة والتواضع والكرم..)، ووصفه فهد عبدالعزيز المتعب
قائلاً: (والله وألف نعم بالعم أبو علي طيب رأس وطيب ساس وكرم ومروءة..)، أما الأستاذ عبدالعزيز البطي فرثاه قائلاً: (لن ننساك يا رمز الكرم والنبل والشهامة..).وعن مشاعر أهل الدلم قال عبدالعزيز العسكر: (كم ترك من الأعمال الجليلة في البلد والآثار الإيجابية في نفوس المواطنين..) أما عبدالله التميمي فقال: (الله يجازيه بالحسنات إحساناً على ما قدمه لأهالي محافظة الدلم من خدمات وأعمال بقيت شاهدة له..)، أما محمد العثمان فغرد قائلاً: (لم تشهد الدلم من فتح شوارع وإنارة إلا أيام وجوده رئيساً لبلدية الدلم..).
لقد أبكرت يا رجل الرجال
وأسرجت المنون بلا سؤال
فأججت الأسى في كل قلب
وجارحة فما أبقيت سالي
في يوم الثلاثاء الموافق 1-9-1443هـ رسالة حملت نعي العم محمد وانتقاله إلى رحمة الله وتمت الصلاة عليه في جامع الراجحي ثم ووري جثمانه الثرى عصراً بمقبرة النسيم بالرياض وسط ألسنة تلهج بالدعاء اللهم اغفر له وارحمه.. وداعاً أبا علي وإن القلب ليحزن والعين لتدمع وإنا على فراقك لمحزونون.. اللهم أكرم نزله واغسله بالماء والثلج والبرد.. وجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً.. وأشاطر أهله وأبناءه وبناته وأحفاده وأخاه خالد وأخته بالأسى على فقيد الأسرة.
أحسن الله عزاءهم وجبر مصابهم وألهمهم الصبر والسلوان.. والعزاء لأصدقائه ومحبيه وأسرة الرشيد بالوطن كافة.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- الرس