عبده الأسمري
من رعيل «الكبار» ومن جيل «الأخيار»... ومن رموز «الثقافة» و«أركان» الصحافة.. الذي بنى «صروح» الصداقة من «لبنات» الوفاء وأسس «طموح» الزمالة من «ومضات» الصفاء.
ابن المهنة «البار» وسليل «الحرفة» الذي كتب «المعاني» بحبر «التفاني» من واقع «التجارب» ووقع «المشارب» التي اغترف منها «حظوة» التذكر و«سطوة» الذكر.
إنه رئيس جمعية الثقافة والفنون الأسبق الصحافي والإعلامي المعروف محمد الشدي رحمه الله، أحد رؤساء التحرير في الوطن..
بوجه نجدي وسيم الملامح زاهر المطامح وتقاسيم خليطة من الصرامة والشهامة مع عينين واسعتين تسطعان من خلف عدسات طبية وكاريزما تتقاطر أدباً وتهذيباً وهندام أنيق يتوشح البياض الذي يشبه قلبه، ويعتمر «الترتيب» الذي يقترن بطلته، وصوت مسجوع بلغة فصيحة تتوارد منها «عبارات» الصياغة وكلام موزون.
أمضى الشدي من عمره عقوداً في الصحافة ورئيس تحرير ووجيه قول بالاستقرار ووجه مسؤولية بالقرار.. ليبقى اسمه في سجلات «الذاكرة» ويترك ذكره «عزاً» في مساجلات «الذكرى».
في حريملاء «الغناء» بزف المبدعين ولد في مساء ربيعي انطلقت معه «أسارير» الفرح لتعلن «علانية» البهجة في منزل الأسرة.. وزفت «العائلة» النبأ الذي تحول إلى «حديث» فاخر بالبشائر.. قضى الشدي طفولته «المعطرة» بالتربية مع أب حكيم ملأ قلبه بموجبات «الاعتزاز» وأم حنون غمرت وجدانه بعزائم «الدعوات» فكبر وفي روحه «سمو» اليقين و«رقي» التمكين..
ركض الشدي مع أقرانه مفضياً إلى والديه «أحاديث» المساء الموشحة بالأمنيات متشرباً «التوجيه» من نصح أبوي مكلل بالفلاح ومتوشحاً «الوجاهة» من إرث عائلي مجلل بالنجاح.
تعتقت نفسه صغيراً بمشاهد «البساطة» في منازل «الطين» وامتلأت أنفاسه بشواهد «السماحة» في وجوه «الطيبين».. ونمت في داخله «بصيرة» أولى نحو «الإنسانية» التي كان يراها «خيرة» مثلى تتماثل كأمثلة «حية» من التعاون والتعاضد في مرابع عشيرته..
انتقل الشدي إلى الرياض في سن «التاسعة» مع عائلته وعاش في أحضان «العاصمة» ودرس في مدارسها.
نشأ الشدي طفلاً يسابق أحلامه في حي «البديعة» وسار في جنباته وشوارعه وميادينه مراقباً نداءات «الرزق» في بكور «البسطاء» ومرتقباً خطوط «الكلم» في سطور الأدباء الذي كان يحرص على اقتناء «كتبهم» من مكتبات الرياض ويحتفظ بقصاصاتها بين كتبه الدراسية التي كانت مشروعاً لاهتمام «أدبي» تفجر في سنوات لاحقة، وكان الشدي يحمل «كشكوله» الصغير في حي «عتيقة» ليكتب الأمنية الأولى على «ناصية» الأمل ويشدو بالمهنية الأولى على «قافية» الأدب بكتابات «أولى» كانت إلهاماً باكراً واستلهاماً مبكراً «لكلمات» الحضور من «مزون» الموهبة..
ارتبط الشدي بالعمل الصحافي لكنه عمل بداية حياته في وزارة المواصلات ثم انتقل بعدها محرراً في صحيفة المدينة بمنطقة الرياض، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة «اليمامة» التي وطد من خلاها «أعمدة» الفرق وأسس وسطها «أركان» الفارق فكانت في عصمته «مجلة» في الصباح و«كتاباً» في المساء.. حيث وظف في صفحاتها وزواياها وأقسامها أسرار «التفوق» وجنى في «استطلاع» قرائها ومتابعيها «علانية» الرضا.
ورأس تحرير مجلة «الجيل».. ثم تم تعيينه رئيساً لمجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون لفترة من الزمن..
محطات كان فيها الشدي ناجحاً في حرفته سائداً في حرفيته.. وطنياً حتى النخاع.. إنسانياً ومهنياً يوزع سخاء الأخلاق ببذخ للجميع وينثر عبير الوفاق للكل.
ورغم حساسية مناصبه التي تحتم وجود «الاختلاف» إلا أن الشدي كان وجهاً للائتلاف مع كل زملائه وأصدقائه وموظفيه وحتى مخالفيه مقترباً من الصغار ومتقارباً مع الكبار.. حيث أزال كل «الفوارق» وذلل كل «العوائق» ليكون «الشخص» المتفق عليه في ثنايا «الفضل» وعطايا «النبل» في «مواقف» الأخوة و«وقفات» الزمالة..
انتقل الشدي إلى رحمة الله في يوم الاثنين 1 محرم الموافق 9 أغسطس من هذا العام بعد معاناة مع المرض، وصلي عليه في جامع البابطين ثم ووري جثمانه في مقبرة «مشرفة» في مسقط رأسه حريملاء.. ونعتته الأوساط الصحافية والوسائط الثقافية.. ونعي بلفظ «فقيد» الاعلام.. وعزته الصحف والمواقع ونعاه الأمراء والوزراء والمسؤولون.. وكان «العنوان» الأبرز وجع «الفقد» وألم «الرحيل».
محمد الشدي -رحمه الله- صاحب «السيرة البيضاء» والمسيرة «العصماء» والشخصية التي توهجت بحسن الخلق ولطف المعشر ونقاء السريرة، واتسمت برونق الأداء وميزة العطاء وجودة البصيرة.