د.عبدالله بن موسى الطاير
ويعيدنا الحادث الإرهابي البشع الذي ضرب محيط مطار كابل للحديث عن أفغانستان وحركة طالبان. وإذا كانت طالبان قد خاضت حرباً ضد الاحتلال الأمريكي وبالتوازي معه حرباً أخرى ضد داعش، فإن الانسحاب الأمريكي يعد محفزاً لتنظيم (داعش خراسان) لاقتناص الفرصة، وعدم ترك الساحة لخصمه اللدود حركة طالبان. تنظيم (داعش) يستفيد من المرونة التي تتردد عن طالبان فيما يتعلق بالعلاقة مع (الكفار) وبخاصة قوى (الاستكبار) العالمي، وعلى وجه التحديد (الشيطان الأكبر) أمريكا، من أجل حشد المزيد من الأتباع، وتوظيف نقمة المتشددين الذين لا يؤمنون بالحوار ولا بالعلاقات الدولية ولا يجيدون سوى خطاب المفاصلة بين فسطاطين (إيمان وكفر) لنزع الشرعية (الجهادية) عن طالبان، ووصفها بأنها أصبحت مروضة ومصنوعة على عين أمريكا.
إذا صدقت حركة طالبات في الخطاب المتداول عنها، والتزمت بتعهداتها المكتوبة، فإنها لن تحول أفغانستان إلى ملاذ للجماعات الإرهابية، ولذلك فلن نشهد حركة هجرة إلى (دار الإسلام) المتمثل في الإمارة الإسلامية، وتحديدا إلى الجيوب التي تسيطر عليها داعش والقاعدة، ولن تسمح طالبان في أن تكون الحبل السري الذي يغذي الجماعات الإرهابية بالأموال القادمة من تبرعات البسطاء والأتباع، ولا من الدول والأجهزة الداعمة للإرهاب. ومن أجل أن ديمومة المؤشرات الإيجابية القادمة من الحركة يجب تحويلها إلى سياسات، وبرامج، والتزامات في مجال مكافحة الإرهاب والانضمام إلى التحالفات الدولية في هذا المجال.
مقابل التزامات طالبان دون تردد، وأن تكون أقوالها أفعالاً حقيقية على الأرض، تكون دول العالم مطالبة بالانفتاح على الحكومة المرتقبة، والاعتراف بها، ومساعدتها على حكم أفغانستان، وتنميتها، وحشد الموارد لذلك. حتى لا تتحول أفغانستان إلى ملجأ للحركات المارقة لتستوطن تلك البلاد المعزولة وتشن منها غاراتها الإرهابية على غير بلد في العالم.
مظهر طالبان، بلحاهم الكثة، وبنادقهم ورشاشاتهم، وزيهم التقليدي يثير الرعب في أوساط المناوئين للحركة، فهناك من يقرأ هذا المشهد على أنه صورة ديماغوجية هدفها تصدير التجربة للدول الإسلامية من أجل العودة بها إلى الأصول، وأخذها بعيداً عن المسار الحداثي الذي تعتنقه جميع دول العالم الإسلامي اليوم على أقدار متفاوتة. البعض يثير عنده مشهد أفراد طالبان وهم يجولون في الشوارع أمام الكاميرات ذكريات مأزومة وخبرة شخصية سابقة، ولذلك يريد دفن الحركة في مهدها حتى يئد أي فرصة، مهما كانت ضئيلة، تذكره بمخاوفه السالفة. هذا الحكم الانطباعي المبني على مظاهر مقبولة في بيئة طالبان الاجتماعية لا يجب أن تؤخذ على أنها معايير قبول الحركة من عدمه. أوراق الاعتماد الحقيقية سوف تقدمها طالبان للشعب الأفغاني؛ فإن هي تمكنت من استيعاب الأطياف الأفغانية المختلفة في هرم السلطة، وعملت على البناء على ما تحقق للمجتمع خلال العشرين عاماً الماضية في مجال التعليم والانفتاح على العالم، وتمكين المرأة في المجتمع والتعليم والعمل، والتعامل مع الدول بناء على ما تقتضيه المصالح المتبادلة، فإن الأفغان والعالم من حولهم لن يتوقف عند مظاهر أفراد الحركة سواء أكانت متأنقة أو موغلة في المحلية.
قضت حركة طالبان عشرين عاماً في محاربة الاحتلال لبلدها، ولم تتورط في أي عمليات إرهابية خارج حدودها سواء ضد الأمريكيين أو غيرهم. ولذلك فإن المتوقع منها البقاء داخل حدودها سواء تغيرت ممارساتها في الحكم أو لم تتغير. والوعود التي أطلقها القادة الأوروبيون والأمريكيون سواء في ذلك العسكريون والسياسيون تعترف لطالبان بالغلبة والنصر وتعد بتعامل المضطر معها. ولذلك فإن النظر لطالبان من زاوية ضيقة على أنها حركة إرهابية منبوذة لن يغير في الوقائع على الأرض شيئا، فقد انتصرت الحركة وهي تحكم بلداً مترامياً الأطراف يشترك في حدوده مع عدد كبير من الدول المهمة.
العهد الذي بين طالبان والشركاء في المجموعة الدولية هو تعهداتها بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وعدم تحويل التراب الأفغاني إلى قواعد تنطلق منها الجماعات الإرهابية، وعدم الترويج لخطاب الكراهية اعتماداً على تفسيرات مجتزأة للنصوص الدينية. كما أن دول العالم، وبخاصة المانحة منها، سوف تمارس ضغوطاً على الحركة لإرغامها على تطبيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان وفق إعلان الأمم المتحدة في هذا الشأن. أما روسيا والصين وإيران وباكستان والهند والجمهوريات السوفيتية السابقة المحادة لأفغانستان فستمارس على الحركة أقصى ما يمكن من ضغوط للتأكد من عدم تهديد سلوك الحركة الأمن الوطني لتلك الدول.