سام الغُباري
قبل أن تبدأ التفكير في حل «سياسي» للصراع داخل اليمن، اجلس قليلاً مع مستشارين آخرين غير أولئك الذين استعان بهم أسلافك الثلاثة، وشاورهم في الأمر، وحاذر أن يكون بينهم من هو أقل من الأربعين عُمراً، أو ممن يفتيك وعلى صدره تتدلى ربطة عنق باهظة الثمن
. سأقول لك، وأنت على اتصال سابق باليمن، أن من عرفتهم لم يعدوا قادرين على اختراع حل لإيقاف الحرب، لأنها لن تتوقف، ما لم تسقط الفكرة الدينية التي تغذي المسلحين بالقتال، فالحل ليس في مجلس رئاسي بديل عن الرئيس هادي، لأنه غير دستوري، ولن يكون متجانسًا. ولن يكون الحل أيضًا بصياغة قرار آخر تتبناه الدول الدائمة بمجلس الأمن ليكون بديلاً عن القرار 2216 ، لأن القرار الذي يحرضونك على نقضه هو من جاء بك مبعوثًا جديدًا.
دع كل السياسيين، ولا تخالطهم، ولا تعلن عن مفاوضات سياسية جديدة في جنيف أو براغ، أو جزر القمر، لأنها ستفشل، وستمضي أعوامك دائرًا في حلقة مفرغة من المراوغة والاختراقات وعدم بناء الثقة.
أنصحك أن ترعى مفاوضات دينية بالمقام الأول، أدع عشرة من رجال الدين من كلا الطرفين، خمسة من الشرعية وخمسة من الحوثيين وقل لهم سؤالاً واحدًا: ما هي مشروعية عبدالملك الحوثي ليطلق هذه الحرب التي اعترف العالم أنه وجماعته يرفضون إيقافها؟.
حين تعرف أن هذه الحرب الغرائبية قامت على تأويل خطير لنصوص القرآن، وحديث غير موثوق يدعم ولاية «علي بن أبي طالب» الذي يدّعي الحوثيون كذباً أنه جدّهم، فإنك لا تحتاج إلى السياسيين في المرحلة الأولى من رحلتك المضنية لتفكيك ألغام الحرب اليمنية - الحوثية.
وعندما تقرأ في تاريخ اليمن، ستجد نسخًا كثيرة عن هذه الحرب تكررت في الماضي، غير أنها اليوم أشد فتكًا باستناد طرفها الحوثي إلى إيران. والنظام الإيراني مثل الحوثي لم يستطع التحول إلى دولة لأنه قائم على خرافة ولاية الفقيه.
إيران في 1979م أخذت على حين غره، لكن ذاكرة اليمنيين لم تكن معطوبة حتى تنسى حكايات ألف عام من الحروب المتكررة، فقد مر على أسلافنا غزو العمائم منذ القرن الثاني للهجرة، ولم تكن حرب الحوثي علينا غريبة، ولم يخدعنا حتى النهاية، تصدعت دولتنا، نعم، وكاد الحوثي أن يبتلعها، لكننا أفقنا، وفاجأناه، وأرغمنا ببسالتنا العلنية العاتية كل رعاة الحوثي الدوليين إلى إعادة التفكير في خطط أخرى لوقف نزيف الدم.
الحل في اليمن ليس سياسيًا محضًا، قبل كل شيء يجب نزع فتيل الفتوى الجائرة التي منحت المسلحين الحوثيين لقب «المجاهدين»، وإبطال حجة الذين أيدوا عبدالملك الحوثي ليصبح «السيد العلم» وفق النظرية الزيدية، ثم الشروع في تقارب سياسي يؤسس لحلول فعلية حول السلطة والثروة.
كان «جمال بن عمر» قريبًا من الحل، لكنه أخفق في إهماله للباعث الحقيقي الذي دفع الحوثيين لإطلاق أول رصاصة على الدولة اليمنية، عندما تعود أيها المبعوث الجديد إلى مكان ومصدر وسبب تلك الرصاصة الأولى، ستعرف أن كل النظريات والمبادرات والوصفات السياسية لن تفلح لأنها كما قلت لك، لم تسأل الحوثي: من أنت، وماذا تريد ؟
وإلى لقاء يتجدد.
** **
- كاتب وصحافي من اليمن