عبد الرحمن بن محمد السدحان
علمتني تجارب السنين في صدر شبابي - وما اسْتَصْحَبتْ من الأحداث، بعضُها مُوجعٌ، والبعضُ الآخر ما برحت ابتسَاماتُه ترقص على شفتيْ الخيال - علّمتني العديدَ من العِبَر، من أهمّها أنه لا شيءَ أقْسَى على وجدان المرء سوى الخوف من الخوف نفسه! وأنَّ فطرةَ الإنسان السويّ تملي له قدرًا من التردُّد أحيانًا في فعل شيء لم يطرأْ على باله من قبل، إمّا بسبب الجهل بفرص النجاح في هذا المسَار أو ذاك، وإمّا بسبب قُصُور التأهيل والتجربة للتعامل مع هذا الموقف أو ذاك، وصُولاً إلى الهدف المنشود! فإن طغَى على المرء هاجسُ الخوف ترجيحًا لاحتمالِ الفشلِ، والخوف من نتائجه، فإنّ صاحبَه لا ريْب سيقْعدُ مع القاعدين، وسيبقى بعد ذلك أسيرَ خوفه أو تشاؤمه، أو الاثنين معًا!
***
* أما إنْ حزَم المرء أمرَه بلا غرور وتوكل على الله، وأعدَّ لنفسه عدّتَها لمواجهة ما يريد إنجازَه، بروح من التفاؤل الحذر أو الحذر المتفائل، فإنه بإذن الله وقوته بالغ ما يريد، وكلّ تجربة يخوضها هذا المرءُ أو ذاك في هذا السبيل سَيتعلّمُ منها فاعلُها درسًا يعينه على تجاوُز هاجس الفشل في تلك التجربة أو سواها! وكل أمرٍ يقدّره الله تقديرًا!
***
* وخُلاصة القول إنني قد استفدتُ كثيرًا من مواجهاتي مع الخوف، واجْهضتُ مرارًا احتمالات الفشل في إدراك ما ترومُه النفسُ، بأن عقدتُ العزمَ على مواجهة الخوف بـ(اللاّ خوفِ) منه، ثم العمل الجادّ متفائلاً ببلوغ الهدف المراد، معتمدًا على الله أولاً، ثم استثمار مخرجات التجارب السابقة، وصُولاً إلى المراد!
***
* لقد وصفني بعضُ الأحبة والمتابعين عقب استقراري في الرياض قادمًا من جدّة فشبّهُوني بـ(الدافور)، وهو وصفٌ لم يعْدُ الصوابَ إذْ كنتُ (متيّمًا) بالحراك داخل جدران المدرسة، ليسَ في مواجهة عبء الدراسة فحسب، لكن في المناشط اللاّ صيفيّة الأخرى عبر الندوات والمناظرات الأدبية. أمّا حراك (الرياضة) فلم يكن لي منه باعٌ ولا نصيب!
***
* هنا، استأذن قارئي الكريم أن أميطَ اللّثَام عن حقيقة في هذا الصوب، بعد الاستقرار في الرياض مع سيدي الوالد رحمه الله، وهي أنني كنتُ أتدثّر بردائيْين متباينيْن: ففي المنزل، كنتُ المستسلم لإرادة والدي: سمْعًا وطاعةً وولاءً، لكنني في الوقت نفسه، لم أكن بمعْزلٍ عن حراك المنزل، خدمةً له في شؤون شَتَّى، بدْءًا بشراء وحمْل مواد التموين اليومي من سوق «المقيبرة» سيْرًا على الأقدام، وكنتُ أشارك والدي في استقبال ضيوفه وزائريه، وأقدّم لهم (طقوس) الضيافة من طعام أو شراب، فأجد في ذلك لذةً ومتاعًا بدْءًا برضا سيدي الوالد، وانتهاءً بسرور زائريه.
***
* أمّا ما يتوفر لي من وقت، فقد كنتُ أنفقه في (مذاكرة) الدروس وتحضير الواجبات، وشيء من القراءة الحرة فيما تيسَّر لي من ذلك. وكنتُ أؤدِّي تلك الطقوس في غرفتي الخاصّة، (مستودع) نشاطي وهواجسي وأحلامي.
***
* وفي المدرسة المتوسطة بحيّ الحوطة بالرياض، كنتُ أتولى إعداد مواد (صحيفة الحائط) الخاصة بفصْلي، بمؤازرة واحد أو أكثر من زملاء الدراسة، وكنتُ أجد في كل ذلك متاعًا ذهنيًا ونفسيًا فريدًا! والحمد لله.. فهو الجدير، قبل وبعد كل شيء، حمدًا وشكرًا في كل خطوة نجاح وكل لحظة إنجاز.