هناك الكثير ممن يغلب عليه التسويف في إنجاز الأعمال، وهذا يعود إلى مؤثرات مختلفة تأتي طواعية بقصد أو من غير قصد، وتعتمد على طريقة التفكير والتفاعل لدى كل شخص في المواجهة ومباشرة العمل.
التسويف نشأ منذ وُجد الجنس البشري، ومثال ذلك في تأخير زراعة المحاصيل الذي كان يؤدي أحيانًا إلى مجاعة، ولكن مع الثورة الصناعية فقد يسَّرت السبل أمام اعتياد الناس على تأجيل الأعمال المهمة، وخفَّف التقدم التكنولوجي بعضًا من الضغوط الناجمة عن التغيرات الاقتصادية العنيفة والمجاعات، إضافة إلى زيادة وقت الفراغ واستهلاك كميات كبيرة من السلع وتوفر الكثير من التسالي والترفيه عبر ألعاب الحاسوب ومشاهدة التلفزيون والمراسلة الإلكترونية والسفر بالطائرات والقاطرات والسيارات، كل هذا كانت تغرينا في أن نؤجل القيام بأعمالنا.
هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي أخذت تأثير التسويف، ومن ضمن هذه ما قامت به عام 1990 عالمة الوبائيات سينيثا موريس مع زملائها في جامعة أوريغون للصحة والعلوم في أمريكا من استقصاء ما يزيد على 19.800 شخص عمن لديه مستوى الكوليسترول مرتفع، وثبت أن هناك 35 في المائة ممن لديهم ارتفاع في مستوى الكوليسترول أرجؤوا القيام باستشارة طبية مدة خمس أشهر على الأقل. وكذلك من خلال دراسة قامت بها عالمة النفس فوشيكا سيرويس في عام 2006 من جامعة ويتسور في أونتاريو في كندا على 254 شخصًا بالغًا اتضح من خلال هذا أن المسوفين عرضة لمستويات عالية من الشدة والإصابة بوعكات صحية حادة أكثر من الأفراد الذين أتموا أعمالهم في وقتها.
إن اشمئزاز المرء من العمل المناط به هو أحد المحرضات الرئيسة الخارجية التي تجعله يؤخر إنجاز عمله وخاصة عندما يكون مُرهِقًا وشاقًا، فيكون التواني هو المسيطر، ويزاد عندما يكون الموعد النهائي للتنفيذ لا يزال بعيدًا، ولكن هذا التواني لا يدوم في حالة عندما يكون هناك مكافأة فورية تحث على العمل وسرعة إنجازه.
في نهاية القرن العشرين بدأ علماء النفس بدراسة السمات الشخصية الخمس الرئيسية التي تتمازج مع بعضها لتشكل خصال المرء، وهي صفة الضمير الحي، وصفة القناعة (الرضا)، وصفة العصابية، وصفة الانفتاح، وصفة الانبساط وآثارها على النزعة الفردية للتأجيل، وكان أكثر هذه المزايا في علاقتها مع التسويف هي صفة الضمير الحي، فالمرء الذي يتمتع بضمير حي شديد الصرامة هو إنسان ملتزم بأداء واجباته ومنظم في ترتيب شؤونه ومجد في عمله. والشخص عديم الضمير المتهور يكون على استعداد عالٍ في التأجيل، هذا التأجيل الذي يجلب القلق ويولد العصابية الناشئة من البدء في العمل خوفًا من الفشل، فتراود المسوف أسئلة (إني في غاية القلق ألا يكون أدائي جيدًا في هذه المهمة)، وخشية أن يكون ثمة خطأ ما عند الانتهاء من العمل (ينبغي أن أكون متأكدًا من الحصول على أفضل نتيجة)، (وفي حال أبليت بلاءً حسنًا فالناس دائمًا سيتوقعون مني المزيد، سأرجئ العمل حتى وقت آخر لحظة). إن هذه السمات الشخصية تخضع بطبيعة الحال لتفاعل المرء مع بيئته التي يعيش فيها وظروفها.
وللوقاية من التسويف اقترح بعض الخبراء الاستعاضة عن عادة التأجيل بعادات محددة الأجل للانطلاق في العمل، فقد أوصى اختصاصي النفس بيتر غولو يترز من جامعة نيويورك وجامعة كونستانز في ألمانيا بوضع أهداف مع وسائل تحقيقها التي تحدد المكان والزمان الذي سيؤدي المرء فيهما تصرفًا معينًا ولا يكون هدفًا مبهمًا، مثال ذلك (سأسعى إلى امتلاك جسم سليم) فليقرن المرء ذلك مع وسيلة تحقيقه فيطبق (سوف أذهب إلى ناد صحي في الساعة السابعة والنصف صباح الغد)، يقول اختصاصي النفس بيتر غولويتز إن تبني هذه العادات النوعية يلجم نزعة التأجيل.
** **
abdllh_800@hotmail.com