فوزية الشهري
نهتم كثيراً بالحديث ونتحدث كثيراً ونتدرب على أساليب الحديث وتطرح الدورات التطويرية التي تساعد على الإبداع واللباقة وهذا ليس خطأ، بل شيء عظيم ويسعى لتحقيقه الكثير، لكن ربما نتجاهل شيئاً مهماً وفعالاً يستحق منا الاهتمام نفسه ولا أبالغ إن قلت يستحق اهتماماً أكبر من اهتمامنا بالحديث، هذا الشيء المهم هو الإنصات وتعود أهميته إلى أنه جزء رئيس من التواصل الناجح، فإذا أردت أن تفهم يجب عليك أن تنصت وإذا أردت التواصل مع الآخر فما عليك إلا أن تنصت له لمعرفة ما يريد إيصاله لك وتتوقف عن الحديث قليلاً.
الإنصات ينقل الشخص من الدوران في فلك ذاته والاكتفاء بسماع صوته وأفكاره إلى الاستمتاع بفهم الآخرين وسماع وجهات نظرهم وآرائهم وبالمقابل الإنصات يمنح الآخر السلاسة في التعامل، فصوته مسموع وقصده مفهوم بكل اختصار الطرفان يكسبان بالإنصات الحقيقي.
أعتقد أننا بالإنصات نستطيع تحقيق نتائج كبيرة في علاقاتنا سواء في الجانب الشخصي أو المهني، لكن كيف نمارس الإنصات بطريقة صحيحة، تناولت ميشيل تيليس في كتاب (القوانين الـ11 للجاذبية) قانون الإنصات وقد قسمته إلى ثلاثة مستويات أولًا الإنصات الداخلي حيث يمرر الشخص ما يسمعه من فلتر خبراته الخاصة وآرائه وتفضيلاته وهذا المستوى من الإنصات وسيلة قيمة لإيجاد القواسم المشتركة بيننا وبين الآخرين وبناء الثقة والاطمئنان وتقوية الروابط، يأتي بعده الإنصات الخارجي ويدور الإنصات الخارجي على التركيز على الآخرين وما يقولونه وما تعرفه عنهم ويمكن تحقيق ذلك بطرح الأسئلة والعبارات الاستقصائية وقليلاً من الفضول ثم يأتي المستوى الثالث وهو الإنصات الحدسي وهنا يتعدى الإنصات بالأذن إلى العين والملاحظة للغة الجسد وكذلك الشعور ببعض الكلمات المنطوقة التي ربما طريقة نطقها تحكي كثيراً من مرارة الحزن أو السعادة، بهذا المستوى أنت تلتقط ما يقوله المتحدث وما لا يقوله وقد تذكرت قول الشاعر:
والعين تعلم من عيني محدثها
إن كان من حزبها أو من أعديها
عيناك قد دلتا عيني منك على
أشياء لولاهما ما كنت تبديها
أما جاثان جانوف في كتابه (الحكمة المكتسبة بالتعب) وهو عبارة عن قصص حقيقية من دهاليز الإدارة، فقد كتب عن طريقة للإنصات EAR (استكشف - أقر - استجيب) وهي طريقة للفهم الصحيح للآخرين بالاستكشاف بطرح الأسئلة ثم التأكيد على ما فهمت بسؤاله، إذن أنت تعني ذلك؟ وإذا أكد الشخص الآخر ما فهمته يمكنك الرد وهذه الطريقة تخلصنا من أهم ما يهدم العلاقات وهي الفرضيات الخاطئة وسوء الظن بالآخرين.
الدكتور سعود كاتب في كتابه الرائع (الدبلوماسية العامة) تحدث عن الإنصات وأنه من أدوات الدبلوماسية العامة ويعده الأداة الأكثر فاعلية لأنه يوفر المعلومات اللازمة يقول الدكتور (التعرف عن قرب وبإنصات لميول الشعوب الثقافية وتفضيلاتها الخاصة بالفنون والأدب والشعر وغير ذلك، حيث إن تلك المعلومات الدقيقة سوف تكون بمثابة القاعدة الأساسية للتواصل الشعبي الفاعل في تلك الدول) إذن من الإنصات نحصل على المعلومات التي نستطيع بها التواصل مع الآخر.
وأخيراً أود أن أقول: ماذا لو مارسنا الإنصات؟ هل سنفهم من حولنا؟ هل ستختفي الخلافات الشخصية؟ والمشكلات المهنية؟
هل سنتواصل مع الآخرين بفهم دون تصادم؟
لنجرب وننصت.
الزبدة:
لا يحظى المستمع الجيد بشعبية كبيرة في كل مكان فحسب، بل يحصد في النهاية كنزاً من المعلومات الجديدة «ويلسون ميزنر»