التوحيد مصدر وحد يوحد توحيداً وهو إفراد الله بالعبادة، بأن يعبد وحده لا شريك له فلا يدعى ولا يستغاث ولا يرجى ولا يستعان إلا بالله وحده لا شريك له فجميع أنواع العبادة من دعاء أو خوف أو رجاء أو ذبح أو غير ذلك يجب أن تصرف له وحده لا شريك له؛ لأنه عز وجل هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}.
فجميع الآلهة الموجودة عبادتها باطلة والعبادة الحقة هي عبادة الله وحده لا شريك له، وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خالق العالم كما يظنه أهل الكلام والتصوف، بل إن التوحيد الذي دعت إليه الرسل هو توحيد الألوهية والعبادة، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، وكانوا مع هذا مشركين، قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}، قال طائفة من السلف: (تسألهم من خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله، وهم مع هذا يعبدون غيره).
وهذا التوحيد هو الذي بعث الله به الرسل -عليهم السلام- من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فهو خلاصة دعوة الأنبياء، ولأجله أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، وبسببه جردت سيوف الحق وانقسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير.
والتوحيد موجب لدخول الجنة كما أن الشرك موجب لدخول النار، قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، أخرجه البخاري ومسلم، ولهما في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، والتوحيد سبب رجحان الحسنات يوم القيامة؛ كما جاء في الترمذي عن أنس -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم أتيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)، قال العلامة ابن القيم - في معنى الحديث -: (ويعفى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك، ما لا يعفى لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد -الذي لم يشرك بالله شيئاً البتة- ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده، فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب، لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض فالنجاسة عارضة والدافع لها قوي).ا.هـ
وضد التوحيد الشرك وهو دعوة غير الله معه، ومساواة غير الله بالله مما هو من خصائص الله: وهو محبط للأعمال وموجب لدخول النار، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقال تعالى في شأن الكفار: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}، فإذا كان الأمر بهذه المثابة فجدير بكل مسلم ومسلمة أن يعتني بهذا الأمر، ويتفقه فيه لأن فيه نجاته في الدنيا والآخرة.
وإذا نظرنا في وقع كثير من المسلمين اليوم في أغلب الأقطار نرى وقوع الكثير في الشرك من دعاء غير الله والاستغاثة بهم وسؤالهم المدد وقضاء الحاجات، وتنفيس الكربات، وهذا الشرك الأكبر والذنب الذي لا يغفر إلا من تاب منه وأناب، فترى من يعبد القبور ويطوف بها ويدعو أربابها من دون الله عز وجل ويصرف لهم جميع أنواع العبادة التي هي حق الله - عز وجل، وهذا كله بسبب تقليد الآباء والسير على منهجهم وطريقهم الباطل كما قال الأولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، وبسبب بعد الناس عن تعلم هذا العلم العظيم الذي هو أشرف العلوم وأهمها.
والتوحيد له ثمرات عظيمة وكثيرة ومنها:
1) الطمأنينة والأمن التام في الدنيا والآخرة قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} فمن وحد الله وأخلص له الدين وسلم من الشرك والمعاصي حصل له الأمن التام والهداية التامة، ومن كان عنده بعض المعاصي التي دون الشرك فإنه يحصل له من الأمن بحسب ذلك قال الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمة الله - (فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقاً، لا بشرك ولا بمعاصي حصل لهم الأمن التام والهداية التامة، وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده ولكنهم يعملون السيئات حصل لهم أصل الهداية وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها، ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية ولا أمن بل حظهم الضلال والشقاء).
2) تكفير الخطايا والذنوب كما في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- المتقدم.
3) الفوز برضا الله -عز وجل- وجنته، وهذا من أعظم ثمار التوحيد،كما في آيات كثيرة من كتاب الله وأحاديث وتقدم ذكر شيء منها.
نسأل الله بمنه وكرمه أن يدخلنا الجنة برحمته وإخواننا المسلمين إنه جواد كريم.
** **
- د. خالد بن حمد الخريف