الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يؤكد العلماء والخبراء وذوي الاختصاص أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو استخدامها بشكل خاطئ يتسبب في الكثير من الأضرار النفسية والاجتماعية والصحية وغيرها.
وهناك سلوكيات وتصرفات سيئة كشفتها تلك الوسائل والمواقع مما يتوجب التوكيد على ضرورة التحلي بالأخلاق الإسلامية، والارتقاء بلغة الخطاب فيها وفق تعاليم ديننا الإسلامي وآدابه.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في العلوم الشرعية لمعرفة الآلية المناسبة في تحقيق هذا المنهج الجميل، والمسؤول عن ترسيخه لدى الناشئة والشباب ابتداء، وكانت رؤاهم على النحو التالي:
سياج آمن
يرى الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري قاضي الاستئناف السابق أن هذا المنهج الجميل الرائع الرائد يتحقق باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والتآسي به بموافقته عليه الصلاة والسلام بمخاطبته لكل الناس للمسلمين وغير المسلمين؛ فينبغي أن يكون المخاطَب على قدر المخاطِب ويكون الذي يتخاطب مع الناس يعرف مستوياتهم العامة وأفهامهم ويراعيها مراعاة دقيقة ويتكلم بما لا يصادم بالشرع المطهر، وإن مما يندى له الجبين أننا نجد قوماً كثيرين يهرفون بما لا يعرفون ويتكلمون بألسنةٍ حداد يهدمون بها قيم ديننا الحنيف وهم لا يشعرون أو يشعرون ويريدون هدمها أصلاً يجدون منها ضرراً وأذىً في أنفسهم لأن شياطينهم كما قال سبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ، وكذلك أيضاً يجب أن ندرك إدراكاً جازماً أن المخاطبين إذا خاطبهم الإنسان فإنما يريد هدايتهم لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم بعثه الله رحمةً للعالمين حتى للكفار فكان يخاطب الناس بما يجلب قلوبهم ويرعي أسماعهم، ويفتح صدورهم ويدخل السرور عليهم؛ فينبغي للذين يتكلمون في هذه المسائل أولاً أن يحفظوا الله تعالى في أسماعهم وفي أبصارهم وفي كلامهم، ثانياً أن يبتعدوا عن الإشاعات الضارة، ثالثاً أن يبتعدوا كل البعد عن التعرض لذوات الأشخاص وإذا رأوا من هؤلاء المنافقين والمفسدين المرضى الذين يهرفون بما لا يعرفون فإنهم يرجون الله لهم العافية ويحمدون الله عما عافهم الله مما ابتلي به هؤلاء السفهاء، ويتمنون لهم الصحة والعافية والأمن والأمان والإيمان ويدعونهم برفق ولطف وعناية تامة بهدف إصلاحهم والارتقاء بهم، ثم لنعلم أن لديننا علينا حقاً عظيماً وتوحيد الله سياج آمن لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتعدى حدوده وأن يدخل في شركيات وهو لا يعرفها أو يدخل في أمور مظلمةٍ وبها دهاليز خطرة فينجرف نحو الإلحاد وهو لا يشعر، يجب أن يراعي مسألة التوحيد وأنواره وإشراقه ويحث الناس على التمسك به، ويبين ما يصادم هذا التوحيد ويعارضه من أخلاق وسلوكيات هذا أولاً، ويراعي المؤمن دين الله عز وجل ويخاف الله في دينه وفي نفسه وأمته ثانياً، وهذا الوطن له علينا حق عظيم لأن هذا الوطن فيه قوتان عظيمتان لا تساويهما قوة على وجه الأرض القوة الأولى وجود الكعبة المشرفة ووجود مثوى رسول اللهلى الله عليه وسلم أي الحرمين الشريفين، والقوة الثانية هبوط الوحي ونزوله في جنبات هذا الوطن الغالي ما بين مكة والمدينة وما بين كذلك المناطق التي ذهب إليها رسول لله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن تراعى هذه القوتان العظيمتان واللتان تجلتا بتمسك المسلمين في هذه البلاد بأصالتهم وبإسلامهم والعناية به فكانت مشرقة وضاءةً واضحةً جليةً في أفواههم وفي ملابسهم وفي حركاتهم وفي تعبدهم لله رب العالمين، وينبغي العناية بهذا عناية تامة، كما ينبغي على بنات المسلمين بنات هذا الوطن أن يكنّ دعاةً إلى الله يحققن سمعة هذا الوطن الغالي ومنهجه الجميل في مخاطباتهن في وسائل الاتصال الاجتماعي وألا يضيع الناس أوقاتهم مع هؤلاء التافهين ومتابعتهم وصناعتهم وتقديمهم على أنهم قدوات في المجتمع بل ينبغي التحذير منهم ومخاطبتهن بأسلوبٍ هادئ ودعاء الله لهم بالهداية.
تنظيم الوقت
ويقول الدكتور مقبل بن مريشد الحربي الأستاذ بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مما لا شك فيه كون وسائل التواصل الاجتماعي من النعم إذا أُحسن استخدامها وقد ظهر ذلك جلياً في جائحة كورونا فإنها كانت البديل في تلقي الدروس والمحاضرات عن الحضور للمدارس والجامعات، إلا أن الإفراط في استخدامها على مستوى الأفراد أو استخدامها بشكل خاطئ نتج عنه أضرار جسيمة نفسية وجسدية وسلوكية وفكرية على الناشئة وغيرهم وآثارها اليوم مشاهد لا يخفى وأقارير المختصين بذلك تُعنى وما فيها من محاذير تُعلم وتُروى، حتى بلغ الأمر عند الأطفال إلى إيذاء النفس، وحصول الضرر وكانت الأمراض النفسية والجسدية من جرائها، ناهيك عمّا يلتقطه الممارس لهذه الوسائل من العبارات البذيئة والسلوكيات المشينة، وقد يحدث من إدمانها السيطرة على فكره وقلبه ووقته وتكون هي أكثر شهواته وملذاته وكما قيل: حبك الشيء يعمي ويصم. وقد تعدى هذا الأمر الكبار قبل الصغار، لكنه في الصغار أخطر لجهلهم وعدم إدراكهم للمحاذير حتى يخشى حينئذ عليهم من شب على شيء شاب عليه.
لذا يجب على الآباء والأمهات والمربين النصح التوجيه والإرشاد والمراقبة لفلذات الأكباد من البنات والأولاد، واختيار المناسب لهم، والتحذير من غير المناسب وترسيخ الدين الإسلامي ومبادئه السمحة في نفوسهم عقيدة وعملاً، وبيان أن عمل العبد محصي عليه عمله صغيراً كان أم كبيرا خيراً أو شرًا فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وأنه محاسب على ما عملت جوارحه من خير وشر يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ النور: 24، وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا الإسراء: 36 فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
وينبغي كما لكل غرفة في البيت خصوصيتها أن يكون لغرف النوم خصوصيتها ولا تكون خلوة يتوارى فيها عن النظار بجواله فيها الساعات الطوال مع أن الله تعالى يسمعه ويراه ويعلم سبحانه مكنون قلبه، والحرص على تنظيم الوقت مهم في هذا الباب فوقت الصلاة للصلاة وهو أهمها ووقت للدراسة والتحصيل العلمي، ووقت للطعام والنوم، ووقت للهو المباح، وإن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها فيما يضر ولا ينفع وإضاعة أكثر الوقت فيها سيزاحم أو يؤخر خلو العبد بربه وأداء فرضه من الصلوات وسائر المكتوبات والسنن الرواتب والتطوع والنفل، والحذر كل الحذر أن نكون ممن قال الله تعالى فيهم: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا مريم: 59، وينبغي أن يكون ضمن برامج تعليم التقنية الحديثة وأساليبها تعليمًا موازياً عن آدابها ومحاذيرها.
خطر عظيم
ويشير الدكتور عبدالعزيز بن علي الرومي قاضي الاستئناف السابق إلى أن أجهزة التواصل الاجتماعي المتنوعة المختلفة هي ذو حدين فمنه ما هو النافع ومنها ما هو الضار، والواجب على المسلم الناضج صاحب العقل السليم أن يجعل له وقتاً محدداً لمشاهدةِ هذا الجهاز في وقت معين؛ فالإكثار من المشاهدة والاطلاع على ما يحصل في العالم من أخبار طيبة أو سيئة أو ما شابه ذلك وكثرة الانشغال بها يولد ويثمر على سلبيات كثيرة، وأقولها بملء فمي إن الناس على جميع مستوياتهم وجنسهم صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً اشتغلوا وانشغلوا وأشغلوا أنفسهم في هذه الأجهزة بالمشاهدة والكتابة والقراءة والاطلاع مما نتج عنه تأثيراً على نفسياتهم ومزاجاتهم بل وأدى ذلك إلى مرضهم جسدياً، ثم الخسائر المادية التي تنتج عن ذلك، إذاً العلاج هو المنهج الحق أن يكون المسلم نموذجاً فريداً، وأن ينظر إلى هذه الأجهزة نظرةً وسطية، ولا يشاهد إلا الشيء النافع في وقت معين، وعليه أن يربي نفسه ومن تحت يده من بنين وبنات، وأن يرشد أهله وقرابته وجيرانه إلى ذلك؛ فالمسؤولية الأولى هي على الأبوين (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ، ثم مسؤولية المعلمين، والموجهين، وأصحاب الرأي والقلم بالإرشاد والتوجيه والنصح، والتحذير بأن يكون هناك لقاءات وندوات، الخطيب في مسجده يرشد ويبين وينصح، والداعية عبر الأجهزة المرئية والمسموعة كلها لها دور بإذن الله عز وجل في التوجيه والنصح والتعليم لهؤلاء النشء، والتوجيه الأول من قبل الأبوين: (وينشأ ناشئُ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه ومادان الفتى بحجىً ولكن، يعلمه التدين أقربوه)، وأقولها بملء فمي من ترك أحسن الحديث وأطيب الحديث وأفضل الحديث وخير الحديث وأحب الحديث وهو ذكر الله ومنه كتاب الله ابتليا بلهو الحديث وهذا هو الواقع، والمؤسف أن كثيراً من بيوتنا فيها شقاقٌ وخلافٌ وضحيجٌ ونزاعٌ سكنت الشياطين في كثير من البيوت مشاكل وخلافات تنتهي بالطلاق كل هذا بسبب بعدنا عن مصدر عزنا ومجدنا ورفعتنا وذكرنا عن ذكر الله عز وجل، الذي أمر في ذكره في مواضع عدة في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، حتى في الحج أمر الله عز وجل بالذكر حتى بعد الانتهاء من صعيد عرفات، ثم قال بعد ذلك ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسَْغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ، وقال فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ، إذاً الذكر هو سكينة ونحن استبدلنا هذا الذكر للأسف الشديد، وكانت الألسنة في السابق تلهج بذكر الله تسمع التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح بسبب السكون والرحمة استبدلناه بهذه الأجهزة التي أصبح كل فرد منا كأنه في دولة مستقلة، نعم في مسرح آخر كل واحد منا له مسرح خاص يشاهده في غرفته ابنتك، ابنك، زوجتك حتى أنت أشغلت نفسك، وهي في الحقيقة أمور سلبية أثرت على نفسياتنا، وعلى تعاملنا، بل وعلى كلامنا، وعدم نضج أولادنا بسبب ذلك، بل إن كثيراً من أبنائنا تغيرت سلوكياتهم وأمزجتهم وأخلاقهم، وتغيرت مشيتهم غيروا وبدلوا، تأثروا بمن حولهم وبما يشاهدونه وهو بعيدٌ عن الإسلام، فالأمر في الحقيقة اعتبره خطيراً جداً؛ فأوصيكم ونفسي بالانتباه لسرعة الرجوع والإرشاد والتنبيه لهؤلاء النشء فهم في خطرٍ يداهم البيوت، وهو أعظم من خطر الفيضانات.