د.حميد الشايجي
يعد الزواج سنة من سنن الحياة، لِمَا له من وظائف مهمة للفرد والمجتمع. فمن خلاله تتكون الأسرة، التي تعد اللبنة الأولى من لبنات المجتمع. ولذلك اعتنت المجتمعات البشرية بالأسرة ووضعت أسساً لتكوينها، وحضت على الأخذ بهذه الأسس، مما يساعد على بناء أسر مستقرة ومجتمعات سوية مترابطة.
وقد اهتم الإسلام بالأسرة وبنائها ووضع الأسس السليمة لتكوينها، وهي كالتالي:
1) نظام المحارم.
2) التكوين: ويتضمن التعرف، والقبول، والكفاءة، والمهر، وعقد الزواج.
3) الحقوق والوجبات الزوجية.
4) الميراث وطريقة توزيعه.
5) منهج حل المشكلات الزوجية.
وهناك تفصيل لهذه الأسس المهمة، لكن المقام لا يتسع لشرحها بالتفصيل في هذا المقام. ولكننا سنتطرق لبعضها بشكل مجمل في إطار فهمنا لمشكلة الطلاق في السنة الأولى زواج.
يعد الطلاق من أخطر المهددات للنسيج الاجتماعي، فعلى الرغم من أن مشكلة الطلاق اجتماعية في المقام الأول، إلا أنها تصبح مصدراً للعديد من المشكلات الأخرى المرتبطة به، كالمشكلات النفسية والاقتصادية والصحية.
ويعد أمر الطلاق من الأمور المهمة والمقلقة في الوقت نفسه. فهو سنة من سنن الحياة، ولذلك تم إجازته كحل إذا استحالت العيشة بين الزوجين. وقد أباحته جميع الشرائع والقوانين في جميع البلدان، وتم وضع إجراءات وتنظيمات خاصة به، لتحديد أشكاله وطرق وقوعه. وفي الإسلام أباح الشارع أن تكون هناك ثلاث طلقات اثنتان منهما رجعيتان والثالثة بائنة. وهذا فيه حكمة لإعطاء الأسرة فرصة لالتئام شملها من جديد. لأن من أسباب الطلاق أحياناً ما هو ممكن التغلب عليه وتخطيه، وإعادة المياه إلى مجاريها.
وعند النظر لمشكلة الطلاق في المملكة ووفقاً لبيانات وزارة العدل، يلاحظ أن إجمالي عقود الزواج لعام 2019 بلغت (137.918) عقداً، كما بلغ إجمالي صكوك الطلاق (51.125) صكاً. بينما بلغ إجمالي عقود الزواج لعام 2020 نحو (150.117) عقداً، وبذلك يكون مرتفعاً عن عام 2019 بنسبة (8.9 في المائة) وبلغ إجمالي صكوك الطلاق (57.59) صكاً، مرتفعاً عن عام 2019 بنسبة (12.7 في المائة). هذه الإحصائية تشير إلى أن حالات الطلاق ترتفع بوتيرة أكبر من حالات الزواج. وهذا الأمر مقلق، ويدعو إلى ضرورة دراسة هذه المشكلة دراسة علمية رصينة تأخذ في الحسبان المتغيرات الديموغرافية والاجتماعية المختلفة للزوجين، كالعمر، الجنسية، والمنطقة، ومدة الزواج، والمستوى التعليمي، والوضع الاقتصادي والثقافي، ونوع الطلاق (على السنة أم بدعي)، وترتيب الطلقات، وحساب الفروق ذات الدلالة الإحصائية بين هذه المتغيرات والدوافع المؤدية للطلاق، وذلك باستخدام الاختبارات الإحصائية المناسبة، هذا بالإضافة إلى الحصول على الإحصاءات التفصيلية الدقيقة التي تعطي صورة كاملة لمشكلة الطلاق، مما سيساعد على دراستها دراسة علمية موضوعية، تساعد على الوصول إلى نتائج واقعية صحيحة، وتوصيات عملية قابلة للتطبيق.
إن توفير البيانات التفصيلية الدقيقة يساعد على الفهم الموضوعي الصحيح لحالة الطلاق في السنة الأولى من الزواج، ومعالجتها معالجة صحيحة. ولقد أجريت العديد من الدراسات حول الطلاق بشكل عام، ولكنها ليست متخصصة في الطلاق في السنة الأولى زواج، ولذلك لابد من دراسة هذه المشكلة دراسة علمية.
العوامل المؤدية للطلاق في السنة الأولى:
لقد أشارت بعض الدراسات إلى العوامل المؤدية للطلاق بشكل عام، نستطيع أن نستخلص منها العوامل المؤدية للطلاق في السنة الأولى زواج:
1 - عدم اتباع الأسلوب السليم في الاختيار والتعرف والتكافؤ بين الزوجين (العمري والعلمي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي)، والقبول والرضا التام وعدم الإكراه.
2 - عدم فهم الزوجين لفترة التكيف الزواجي. فهما شخصان غريبان اجتمعا في مكان واحد، فكل منهما يحتاج إلى وقت للتكيف مع الآخر والتعود على طباعه.
3 - التدخل الخارجي من أهل الزوج أو الزوجة، أو الأصدقاء.
4 - المشكلات المستمرة وسوء العشرة وإهمال الحقوق بين الزوجين، وعدم إلمامهم بالطرق الصحيحة لمعالجتها.
5 - البرود العاطفي، والخيانة الزوجية.
6 - ممارسة العنف اللفظي أو النفسي أو الجسدي من أحد الزوجين.
7 - استمرار ممارسة بعض الأزواج لسلوكيات حياة العزوبية كالسهر والغياب لفترات طويلة عن المنزل.
8 - الأحلام الوردية غير الواقعية لدى بعض الفتيات عن الزواج وتأثير ذلك على العلاقة الزوجية.
9 - عوامل مادية: كمحاولة سيطرة الزوج على أموال الزوجة. أو بخل الزوج، أو إسراف الزوجة وإرهاقها كاهل الزوج بالطلبات، على الرغم من محدودية دخله.
10 - وجود زوجات أخريات في عصمة الزوج والغيرة بينهن.
11 - منع الزوجة من إكمال تعليمها، أو العمل أو قيادة السيارة.
12 - تعاطي المخدرات أو المسكرات أو التدخين من قبل أحد الزوجين.
13 - إصابة أحد الزوجين بأمراض نفسية أو اضطرابات سلوكية.
14 - سوء استخدام وسائل التقنية الحديثة كالإنترنت، كإضاعة الوقت والتأثر بما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى التقصير في الحقوق والواجبات الزوجية، والفتور العاطفي، وممارسة بعض السلوكيات الخاطئة، والتأثير السلبي للإعلانات التجارية وبعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، والدخول في مقارنات بين العالم الافتراضي والواقع المعيش.
15 - الجهل بثقافة ومتطلبات الطلاق.
وأود أن ألفت الانتباه هنا لأمر مهم في ثقافة الطلاق، ولو تم تطبيق هذا الأمر، سيساعد بشكل كبير في خفض حالات الطلاق. فمن المتعارف عليه إن موقف الطلاق في حالات كثيرة يعد موقف توتر تصاعدي ناتج عن خلاف بين الزوجين حول أمر ما، يبدأ بنقاش بسيط ثم ترتفع فيه حدة الأصوات لينتهي بإلقاء يمين الطلاق على الزوجة.
إن هذا الأمر المتكرر عادة ما يكون ناتجاً عن جهل في طرق الحوار، والجهل بمتطلبات وشروط الطلاق. وهناك شرط يجهله كثير من الأزواج ولا يعلمون به، ومن يعلم به يجهل تفسيره أو لا يأخذ به ولا يطبقه، هذا الشرط هو: «أن يطلقها في طهرٍ لم يجامعها فيه».
أسأل طلابي في الجامعة والمشاركين في الدورات عن هذا الشرط، وللأسف كثير منهم يجهله، ولا يعرف تفسيره ومغزاه.
إن تطبيق هذا الشرط يعطي الأنفس فرصة لتهدأ، وتعيد التفكير في قرار الطلاق، فتتراجع عنه. مما يساعد على الحد من حالات الطلاق. لأن الإنسان عندما يهدأ ويزول عنه الغضب يتراجع عن اتخاذ بعض القرارات المصيرية المؤثرة سلبا في سير حياته.
كما تجدر الإشارة إلى أن قرار الطلاق يأتي في المرحلة التاسعة من مراحل حل المشكلات الزوجية، ولكن للأسف كثير من الازواج والزوجات يجهلون هذه المراحل أو لا يأخذون بها، ويقفزون رأساً من المرحلة (1) إلى مرحلة (9). وهذه المراحل التسع تأتي في ثلاثة مستويات اجتماعية. وسأوجز هذه المراحل كعناوين لأن شرحها وتبيانها يحتاج إلى مساحة أكبر:
أولاً - المستوى الأسري:
وهنا تكون المعالجة بين الزوجين دون تدخل العائلة (سواء عائلة الزوج أو الزوجة). ويحتوي هذا المستوى على ثلاثة مراحل:
1- الحوار بالموعظة الحسنة (فعظوهن).
2- الهجر ويكون في المضاجع (واهجروهن في المضاجع).
3- الضرب غير المبرح (فاضربوهن) وفيه تفصيل لكيلا يُساء تفسير واستغلال هذا المفهوم.
ثانياً- المستوى العائلي:
1 - الناصح العائلي (اختيار وانتقاء مصلح من أفراد العائلة يهمه أمر الطرفين ويحاول التدخل والاصلاح بينهما).
1 - التحكيم العائلي (حكماً من أهله وحكماً من أهلها يريدان الإصلاح).
ثالثاً- المستوى المجتمعي:
1 - اللجوء لمراكز الاستشارات الأسرية (الربحية وغير الربحية).
2 - الإصلاح الرسمي عن طريق اللجوء لمكاتب الإصلاح التابعة للمحاكم.
3 - التحكيم الرسمي من قبل القاضي بوجود حكم من أهله وحكم من أهلها، وبشكل رسمي.
4 - الطلاق على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس الطلاق البدعي. والطلاق فيه مراحل:
1. طلقة أولى رجعية.
2. طلقة ثانية رجعية.
3. طلقة ثالثة بائنة (يمكن الرجوع بعدها لو تزوجت المرأة وتطلقت أو ترملت).
وهناك نقطة مهمة في الطلقتين الرجعيتين الأولى والثانية، وللأسف قضت عليها بعض العادات والتقاليد التي ليست من الإسلام. ألا وهي عند حدوث طلاق على المرأة يجب أن تقضي عدّتها في بيت الزوجية، وليس في بيت أهلها. والهدف من ذلك هو فتح الباب أمام عودة الزوجين وتسهيل ذلك عليهما. بينما العرف الاجتماعي اليوم يقضي بذهاب المرأة لبيت أهلها عند طلاقها، مما يعقد الأمور ويصعب عودة الزوجين لبعضهما.
فلو ثقفنا شبابنا (ذكوراً وإناثاً) بهذه الأمور، لقضينا على الكثير من حالات الطلاق. ولذلك أوصي بضرورة عقد برامج الدورات التأهيلية للمقبلين على الزواج أو ما يعرف بـ»رخصة قيادة الأســرة» وجعل ذلك إلزامياً، مثل فحص ما قبل الزواج.
** **
قسم الدراسات الاجتماعية - جامعة الملك سعود