البطاقة الشخصية:
الترجمة عن المطوع سليمان بن ناصر السلومي تعكس شيئاً من جهوده وجهود إخوانه من المطوعين الذين اشتهروا في ميادين الوحدة الفكرية، وقد أوصلهم بعض الباحثين إلى حوالي ستمائة (600) مطوع ومرشد ديني استقروا في مائتين واثنين وعشرين (222) هجرة ومستوطنة تقريباً، وهي ما يكشف عن حجم الجهود المشتركة في تأسيس هذا الوطن خاصةً في جانب الوحدة الفكرية (عقيدة السلف)، وهذه الوحدة هي التي شَكَّلت الهوية الموحَّدة لأراضي الحرمين، وبالتالي صاغت وحدته السياسية، وأسهمت هذه الجهود في وحدته الوطنية.
والشيخ المطوِّع سليمان السلومي من المشارفة الوهبة من بني تميم، ممن استقر أجداده بالشنانة عام 1185هـ كما هو مدوَّن بترجمته ووثيقة نسبه، ويُعدُّ عميد أسرته حيث عُرفت به أكثر من رجال الأسرة السابقين، وهو من المطوِّعين الذين قاموا بالإمامة والتعليم والاحتساب، وعُرف باحتسابه القوي مع الجميع، ويوجد في كتاب ترجمته خطابات احتسابه على قضاة زمانه في الرس ومهد الذهب، وهو ممن تَنَقَّل بين أماكن كثيرة لتحقيق هدفه ورسالته متعدية النفع، ففي المدينة كان طلبه للعلم أثناء التحاقه بجيش الشريف، ثم كان له دوره التعليمي والدعوي في بلدات كثيرة من أبرزها بلدة ضرية، وبلدة مسكة، وبلدة مهد الذهب، وكان من خدماته الاجتماعية العلمية حباكة المصاحف وكتب العلم حفظاً لها من التعرض للتلف، وتفصيل هذا في الكتاب المعني بترجمته.
من أدواره المجتمعية:
كان دوره التعليمي في الشنانة مشهوداً ومشهوراً من خلال مدرسته المعروفة بقرية البلاعية التي كانت أساساً للمدرسة الحكومية فيما بعد ذلك، وقد تم إدراجه في الموسوعة التعليمية للمملكة العربية السعودية، وهي السجل المعني برجالات التعليم أو روَّاده ومؤسسيه بأنحاء البلاد، وهذا السجل أو التدوين في الغالب قبل مأسسة التعليم وترسيمه وانتشاره، وفي الموسوعة ورد عنه: «تلقى تعليمه صغيراً في بلدة الشنانة، وحفظ القرآن الكريم، واستمر طالباً للعلم، ورحل للمدينة المنورة، ودَرَسَ بالحرم المدني، وعمل بالتدريس في عدد من المساجد، واشتغل بالإمامة والخطابة لجامع الشنانة، وجامع ضرية، وجامع مهد الذهب، كما اشتغل بالدعوة والوعظ، وعقد الأنكحة، ومارس التجارة». (موسوعة تاريخ التعليم: وزارة المعارف، 1423هـ (2003م)، ج4/ ص399)
وحينما رجع من بلدة مهد الذهب إلى الرس والشنانة واستقر في بلدته وتفرغ فيها للجولات الدعوية الحرة في قراها وبواديها دعوةً واحتساباً، وهو ما كان يفعله بعض الرموز العلمية والدعوية من أهالي الشنانة السابقين واللاحقين مثل الشيخ رميح بن سليمان بن رميح، وابنه عبدالله بن رميح، وكذلك سليمان بن صالح الفلاح وغيرهم ممن حملوا مشاعل الهدى لمجتمعاتهم، وكان سليمان السلومي يقوم بالجولات الدعوية مع صاحبه المطوّع عبدالرحمن بن إبراهيم الخربوش، وكانوا يسافرون معاً إلى القرى والبلدات الواقعة قرب الرس يُشرفون على بناء المساجد، ويعظون الناس ويرشدونهم، وكل هذا مما يُسجَّل للشنانة وعلمائها ومطوعيها في خدمة البلدات والقرى الأخرى فيما كان ينقصها من علم ودعوة ومساجد.
وكانت معظم رحلات السلومي بأوقاتها الطويلة، حيث كان استقراره في تلك البلدات بتوجيهات ودعم من السلطة الشرعية أو الإدارية أو كليهما، وقد عمل المطوع السلومي بالإمامة في مساجد هذه البلدات، وكان الاحتساب يصحب الإمامة غالباً في مجالات العلم والتعليم والوعظ والإرشاد والحسبة.
وكانت له مكانةٌ علمية في عصره وهو ما دعا أمير بلدة مسكة إلى الحضور شخصياً لبلدة الشنانة واصطحاب الشيخ سليمان السلومي معه لتعليم أهالي بلدة مسكة وأبناءها القرآن والعلوم الشرعية، ثم كان طلب تعيينه من قِبل سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حُميد لتعيين الشيخ سليمان إماماً لمسجد بلدة مهد الذهب، وهو ما يُعدُّ من المكانة العلمية والدعوية له.
وقد اشتهر سليمان السلومي بكتابة وثائق الشنانة والإسهام في حسم بعض قضاياها، كيف وهو من أبرز وجهائها في الفترة التاريخية الثالثة، حيث كان له حضوره كأحد رموز الشنانة وأعلامها خاصةً في القضايا المهمة لبلدته الشنانة، وذلك مثل كتابته التوثيقية لبئر الظاهرية وهي الورقة التي كانت بحضور قاضي الرس وأميرها، وكان أحد المعنيين في حسم ما يتعلق بقرية البلطانية بإحدى الوثائق، كما أنه كان أحد وجهاء الشنانة الذين خاطبهم قاضي الرس محمد الرشيد حول موضوع اتفاق بناء قرية الجُديدة بالشنانة، وهو ممن عاش فترة الشنانة التاريخية الثالثة ما بعد سنة قطعة الشنانة عام 1322هـ.
أبرز أعماله وإسهاماته:
- كان أول عمل قام به الشيخ سليمان أنه التحق جندياً في جيش الشريف بالمدينة المنورة قبل الفتح السعودي، ومكث فيها بضعة أعوام (1329- 1335هـ)، وقد كانت المدينة المنورة منطقة جذب بشري لأهالي الرس للعمل بالجيش العثماني ثم بجيش الشريف، وذلك زمن حياته وزمن والده، وكثير من أهالي الرس استقروا بها قديماً، ثم رجع إلى الشنانة موطن أجداده، وأخذ يخطب في جامعها وغيره من المساجد.
- عمل إماماً وخطيباً في جامع قرية مسكة جنوب الرس من عام 1336هـ حتى عام 1342هـ وكان مُعلِّماً فيها للكبار والصغار، ومرشداً وموجِّهاً، كان وقتها يُصرف له ما يُسمى آنذاك (بروة) من أرزاق التمر والعيش كسائر أئمة المساجد من بيت المال كما كان يُسمى.
- وعمل إماماً وخطيباً في جامع قرية البلاّعية في الشنانة من عام 1342هـ حتى عام 1363هـ، وكانت لديه مدرسة خيرية للتعليم، إضافةً للإرشاد والتعليم والدعوة في المسجد وفي البلدة.
- ثم عمل إمام وواعظ مسجد في بلدة ضرية جنوب الرس من عام 1363هـ حتى عام 1366هـ، وبعدها رجع إلى الشنانة وبقي فيها لمدة ثلاث سنوات وفيها كلها كان معلماً وداعية.
- كان تعيينه مطوعاً في مركز بلدة مهد الذهب وإماماً في مسجدها بتاريخ 14-5-1369هـ، مصاحباً لإمارة الأمير سعود السديري الذي كان متمسكاً به بشكلٍ كبير، وذلك بموجب خطاب من الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد قاضي القصيم، وبتوصيةٍ من الشيخ محمد بن زاحم إمام الحرم المدني، وبقي في مهد الذهب إلى عام 1385هـ، وكان قد اشتهر فيها بالتعليم والدعوة والحسبة.
- كانت بلدته الشنانة محطته الأخيرة بعد جولاته التعليمة والدعوية، ثم الرس (1385-1399هـ).
ولهذه الأعمال وغيرها كان من أبرز رموز البلدة وأعلام بلدات أخرى عاش بها في الفترة التاريخية الثالثة للشنانة.
أقوال مشهودة ومآثر محمودة:
كتب عن شيء من صفاته الدعوية الشيخ محمد بن عبدالله الشهري قائلاً: «لم يكن الشيخ سليمان -رحمه الله- مجرد واعظ يلقي موعظته وسرعان ما يغيب عن الأنظار، أو تغيب عن الأسماع أصوات مواعظه، بل إنه كان يغشى مجالس الناس بصفة مستمرة بالوعظ، ويشاركهم محافلهم ومنتدياتهم، ومع ما سبق فهو كامل المروءة، كثير التلاوة والأذكار، قانعاً ورعاً بعيداً عن الشبهات، وكان لا يتوانى عن التعليم والإرشاد في مقر معين وبدون منبر، ولا عن السعي في المصالح العامة، شغوفاً بحب الخير للغير، ويصدق فيه وأمثاله قول الباري تعالى: {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الإنسان:9)».
وكتب عنه أحد أساتذة التربية والتعليم في بلدتي مسكة وضرية ودوره التعليمي والدعوي فيهما: «كان من حسن الحظ أن ممن كُلِّف بهذه المهمة السامية الجسيمة على بلدتي (مسكة) و(ضرية) في فترتين منفصلتين فضيلة الشيخ سليمان السلومي من أهالي بلدة (الشنانة)، وقد تحمل الأمانة وقام بأداء الرسالة ولا نزكي على الله أحداً، حيث قام -يرحمه الله- بإقامة وإحياء دور المسجد، وتوعية المواطنين لأمور دينهم، وحثهم على التمسك به وعمل على تأليف القلوب، والعمل على إبعاد الناس عن المخاصمات والنزاعات من خلال الترغيب والترهيب فيما عند الله، كما وضَّح مالهم وما عليهم، وقام بأعظم وأهم خطوة حيث حث إخوانه المسلمين على تعلم القرآن الكريم والقراءة والكتابة، وتتلمذ على يديه -رحمه الله- الكثير من أبناء هذه المنطقة الذين أجادوا تلاوة وحفظ القرآن الكريم ومعرفة سنة الرسول العظيم وإجادة القراءة والكتابة».
كما قال عنه محمد بن منصور العساف العواجي وعن جهوده الدعوية: «إنه كان مرشداً لإخوانه من عامة المسلمين، ولا أنسى دوره في الإرشاد، وحرصه على الدعوة والنصيحة عام 1376هـ يوم أن كنا مسافرين للحج مع سيارة الأحيمر من الزيدي، ولم يتوقف نشاطه في الدعوة بالشنانة، بل إنه كان يزور الهجر المجاورة»».
وللشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن اليحي تعليق مكتوب عن بعض المآثر له، ومما قال عنه: «من أولئك الأفذاذ الذين لا زلت باذلاً جهدي في إبرازهم ليُقتدى بهم خاصة أن منهم من لم يحظ بالترجمة عنه في كتب التراجم أو تُرجم له ولم يُوفَّ حقه هذا الداعية الذي عرفته منذ عام 1390هـ رجلا صالحاً غيوراً وقد تجاوز الثمانين من عمره غيوراً على حرمات الله يصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستمعت له في أكثر من مسجد وهو يلقي كلمات النصح والإرشاد التي لها بالغ الأثر في النفوس، مما يدل على أن كلامه يخرج من القلب فينفذ إلى القلب».
وكتب عنه الأستاذ عبدالله بن صالح العَقيل في كتابه أعلام الرس، ومما قال عنه من الصفات الدعوية الحميدة: «كانت خدمات الشيخ سليمان في الوعظ والإرشاد قد امتدت قرابة خمسين عاماً كانت حافلة بالعطاء والخير كما كان رحمه الله مثالاً للإخلاص والتفاني في عمله يحدوه في ذلك طاعة الله ورسوله والامتثال والسمع والطاعة لولاة الأمر، كما كان عطوفاً على الناس يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر باللين والمحبة فأحبه الناس وامتثلوا أمره وتوجيهه، وكان الشيخ سليمان يكتب الوثائق في البيوع والعقود وكان موثوقاً به مقبولاً لدى القضاة».
وقد كتب عنه الأستاذ المؤرخ خالد بن عبد الرحمن أبانمي من تغريداتٍ له عن الكتاب المعني بترجمته وكذلك عن عائلته، ومما قال: «الشيخ سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي (1308- 1399هـ)، مطوّع بلدة الشنانة منذ سنة 1342هـ، وكان إمامًا وخطيبًا وواعظًا محتسبًا في عدد من البلدان حتى عاد نحو مسقط رأسه الشنانة واستقرّ بها حتى وفاته. وقد لفت انتباهي في ترجمة الشيخ سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي وثيقة بخط ناصر إبن الشيخ سليمان السلومي (1330- 1403هـ) (يبدوا أنها من إملاء والده) ساق فيها نسب والده وأسرته، وأنهم من المشارفة من الوهبة من بني تميم، وحيث أني لم أُدرج هذه الأسرة المباركة ضمن مشجرة الوهبة فبإذن الله سيتم إدراجهم ضمن مشجرة الوهبة في النسخة القادمة».
وتوفي في الرس عام 1399هـ -رحمه الله-، وقد رثاه واحد من العلماء، ومن أشهر محبيه بقصيدة نونية طويلة (132) بيتاً من الشعر، وفيها أبرز محاسنه وبعض جهوده الدعوية والاحتسابية، كما أبرز فيها أمجاد بلدته الرس والشنانة التي أنجبت أمثاله، وذلك بذكر مآثر الرس التاريخية، وفي مطلعها قول الشاعر:
لدى (الشِّنانةِ) قد أَودَعْتُ وُجداني
وفي رُبى (الرسِّ) أصحابي وخِلاني
أرضٌ يهيمُ بها قلبي إذا ذُكِرَتْ
وإن بَعُدْتُ أثارَ البُعْدُ أشْجاني
وعن الرس ومآثره قال الشاعر كذلك:
يَا سَائِلي عَنْ أُسُودِ(الرَّسِّ) مَا صَنَعَتْ
خُذِ الجَوَابَ بِتَحْقِيْقٍ وَبُرْهان
(الرَّسُّ) قدْ وَضَعَتَ فِي المَجْدِ (بَصْمَتَهَا)
حتى أقَرَّ لَهَا القَاصِي مَعَ الدَّانِي
والقصيدة موجودة بالكتاب المعني بترجمته، والترجمة بعنوان (سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي - الشخصية والرسالة)، ويمكن الحصول عليها من الشبكة المعلوماتية -مجاناً- بهذا العنوان وبالرابط التالي: https://bit.ly/3e9UU0l.
كما كتبت عنه بعض المصادر مثل: عبدالله العقيل أعلام الرس ج1/ ص218. محمد السلومي الرس وأدوار تاريخية في الوحدة ص320. ومحمد بن ناصر العبودي معجم أسر الرس ج8/ ص257-259. وسليمان الرشيد مساجد الرس وأطرافه ج2 /630.
ثانيًا: سليمان بن عبدالله العميري (1340 - 1433هـ) أنموذجاً في الرواية الشفهية المُحرَّرة
هو سليمان بن عبدالله بن سليمان بن صالح بن محمد (عميري) بن شبيب بن زهير، من عشيرة زهير من بني صخر، وجدهم كان عميري بن شبيب، وكان وصول عائلة زهير أرض الشنانة حسب تاريخ قدومهم عام 1150هـ تقريباً، وربما قبل هذا حسب بعض الكتابات التاريخية، ولهذا فعشيرة زهير بعوائلها (الصويان، والشايع البغيليل، والعميري) وغيرهم، كلها تُعدُّ من أجيال المؤسسين للشنانة قبل عام 1200 للهجرة تقريباً، فعائلة العميري من العوائل التي أسهمت بتأسيس بلدة الشنانة وعاشت بها في جميع (فتراتها التاريخية الثلاث، بأحداثها الثلاث، وطلعاتها الثلاث) وهي ما قبل 1200هـ، وما بعدها، ثم ما بعد حدث قطعة الشنانة 1322هـ، وللعميري وآل زهير من بني صخر عموماً مزارع كثيرة بالشنانة معروفة ومذكورة في مواضعها من الوثائق والكتب. وكانت ولادة سليمان رحمه الله عام 1340هـ ببلدة الشنانة التابعة لمحافظة الرس ونشأ وترعرع في هذه البلدة، وعاش بها جميع حياته تقريباً حتى وفاته بعمر تجاوز (93) عاماً تقريباً، وهو هنا أنموذج من نماذج كتابة التاريخ الاجتماعي كما هو، ويُعدُّ كذلك من وجهاء بلدته الشنانة.
من صفاته:
اتسمت شخصيته بالعطاء المعنوي لمجتمعه، حيث عطاء النفس والوقت، وعطاء المجالس الاجتماعية كما كانت، وقد يفوق هذا العطاء في أثره النفسي والاجتماعي في أحيانٍ مُعيَّنة عطاء المال والطعام وما شابهها.
ومع هذا كان كريماً وَرِثَ من والده الكرم والجود فوالده المشهور بـ(راعي النثيلة) التي كان ينادي من أعلاها الضيوف «يا هلا ويا مسهلا» من المارة عابري السبيل أهل الركائب والجيران من الفلاليح لمشاركته عشاءه بعد عناء السفر أو العمل، وكان سليمان محباً لفعل الخير خاصةً من إنتاج مزارعه وذلك للمحتاجين، ومما قال عنه عبدالرحمن بن سليمان السلومي: أنه كان فكاهياً صاحب نكتة وابتسامة لا تفارقه مع كل من يلتقي به، وكانت النكتة الخفيفة والثقيلة! وصور الفكاهة تتلازم مع أقواله وأفعاله، وكان سريع البديهة بنكاته الموجَّهة، أحبه الصغير والكبير، وقَصَدَ مجلسه الغني والفقير للاستمتاع بالجلوس معه، وكان يُلقَّب (عم الجميع) كما يناديه بعض محبيه، وله مع كل أصدقائه وزواره قَصَص ومواقف لطيفة وبعضها مثيرة! وتلك خدمة مجتمعية آنذاك، وكَتَبَ عنه ابنه عبدالله في هذا الشأن فقال: «والدي أحب جيرانه من أهل الشنانة وأحبوه كثيراً، وخاصة عائلة السلومي، حيث كان صديقاً لهم خاصاً جداً، كما أنه كان صاحب علاقات مُثلى مع كل الناس وبجوارٍ حَسَنٍ متبادل مع جميع أهالي الشنانة».
من أعماله:
اشتغل بداية حياته مع والده في مزارع الشنانة، ثم ذهب كغيره من شباب ذلك الزمن إلى الظهران وبلدة رفحا شمال المملكة، وذلك مع الشركات العاملة بالنفط وخط التابلاين لنقل البترول، وكان ذلك بحثاً عن الرزق آنذاك، وذلك لمدة حوالي 15 عاماً، ثم رجع إلى بلدته وإلى أسرته وعند رجوعه أصرَّ عليه والده بالجلوس بجانبه وخدمته وخدمة مزارعهم، وعاش مع والديه وزوجته، ثم بعد وفاة أبيه واصل حياته الزراعية مع أولاده بالمزرعة المعروفة بالشنانة الحدرية.
واشتغل طوال حياته مزارعاً ناجحاً في بلدة الشنانة القديمة، وكان لمزارعه عطاء معروف ومبارك في تموين سوق الرس، وكان بائعاً بنفسه لمنتجاته بسوق الخضار بالرس يبيع محصوله، حتى أحب البيع والشراء في هذا السوق، وصار من البائعين الناجحين بسوق الخضار، ويُعدُّ هذا من إسهاماته التنموية الزراعية، ثم التسويقية إلى أن عجز عن العمل أواخر عمره، ومما كَتَبَ عنه ابنه عبدالله قوله: «وأثناء عمله بالزراعة والبيع كان من أعماله وخدماته الاجتماعية التي عُرف بها أنه حصل على عقد نقل طالبات الشنانة فترة طويلة من الزمن بباص اشتراه لهذا الغرض، حيث كان نقل الطالبات إلى كلية التربية بالرس، وكان محبوباً للطالبات بصورة نادرة من خلال عنايته ورعايته، وتبادل النكت البريئة معهن رحمه الله».
عن العلم والمعرفة في شخصيته:
كان حريصاً على العلم والمعرفة بالرغم من ظروف عصره في طلب المعيشة وبأنه كان مشغولاً كغيره من فلاليح الشنانة، لكنه كان حريصاً على التعلم، فإضافةً إلى مدرسة الحياة مع والده، كان عنده الكثير من رصيد الخبرة في رحلته إلى الظهران والشمال وخبرات السفر والعمل، ومن اهتمامه بنفسه وتعليمه أنه بعد رجوعه من رحلة الظهران كان حريصاً على التعلم، فكان من أوائل طلاب مدرسة محو الأمية المسائية بالشنانة مع أصحابه وأقرانه صالح بن سليمان السلومي، وعبيد الصالح الخليفة، وخليفة العلي الحويس الخليفة وغيرهم.
ومن حرصه على العلم والمعرفة أنه كان ملازماً لدروس تعلم القرآن وحفظه وتجويده بعد المغرب غالب أيام الأسبوع بقرية الجُدَيِّدة بالشنانة مع معلم القرآن الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي وبرفقة مجموعة من الطلاب والمحتسبين آنذاك، وقد كان يأتي على الدرَّاجة النارية، والتي كانت تُسمى (الدَّباب) آنذاك من مزرعته في الظلام والبرد والحر ليحفظ جزءاً من القرآن أو أجزاء! وذلك على مدى أكثر من عشر سنوات.
من مبادراته التعاونية متعدية النفع:
من أبرز ما يمكن أن يُعدَّ له منقبة دوَّنها له تاريخ الشنانة، حرصه الشديد على تحديد أملاك وأراضي أهل الشنانة خاصةً مزارعهم وبيوتهم القديمة، وقد حرص بغيْرته على حقوق الناس محاولاً بالطلب مع من يعنيه بعض الأمر بالشنانة على ترسيم الأراضي والمزارع لمعرفته الدقيقة بها، ولكن لم يتم هذا الأمر حسب قوله! واكتفى بإسماع هذه الرواية بعضَ أهالي الشنانة وعلى رأسهم ابنه عبدالله بن سليمان العميري وعبدالرحمن بن سليمان السلومي ومحمد بن عبدالله السلومي.
وقد تم إيراد أبرز هذه الروايات عن أملاك الشنانة ومزارعها ومن سكنها وعَمَّرها بالمزارع في قديم تاريخها وحديثها، وذلك حينما عدَّد مزارعها وعوائلها بحوالي أربعين عائلة ومزرعة، وكان ذلك كرواية شفهية تم تحريرها وتدقيقها على مدى ثلاث سنوات (1430-1432هـ)، ثم تم إيرادها في كتاب (عبدالله بن سليمان السلومي - تجارب تطوعية مبكرة) وذلك في الصفحات (43 - 44)، وتَكرَّر ذكرها كذلك في كتاب (الرس وأدوار تاريخية في الوحدة) لأهميتها، وقد وردت المعلومة الأساسية في الملحق رقم (4) في الصفحات (355 - 358)، وهذا لأهمية المعلومة التاريخية من جهة، ثم لحرصه رحمه الله على الوفاء لحقوق الناس الحي منهم والميت كما كان يقول ويردد.
ولقد كان نبيهاً ذكياً واعياً بأحداث الشنانة وتاريخها وتاريخ عوائلها، قال ذات مرة معلقاً على تاريخ بناء المرقب أمام مجموعة من الضيوف وكان منهم كاتب هذه السطور: «المرقب مبني من قبل مجيء جدكم هويشان (1185هـ)، والله المستعان» كما هي الرواية كاملةً في الكتب سابقة الذكر، وكان قد أشَّر بيده على مكان مسيل قريبٍ من بيته ومزرعته مخاطباً عائلة السلومي وكانوا ضيوفاً عنده «هذه تسمى (شغية الجبعاء) وهذا اسم أو كنية لواحدة من جداتكم القديمة يالسلومي»، وقوله كذلك: «مطاوعة الفلاح والرميح هم من أوائل وأشهر أئمة مساجد الشنانة القديمة والعلوة»، وكان يتمتع بذاكرة قوية، وفطنة ودراية تامة بالشنانة، وكان يُذَكِّر الآخرين ببعض الوقائع، ويتذكر الكثير من الأحداث التاريخية، ولهذا كان مرجعاً معرفياً عن عائلته العميري وقبيلته زهير، وعن أهل الشنانة جميعاً إلى حدٍّ كبير، بل وعن أملاكهم القديمة في كل عصور الشنانة حسب تعبيره عن كل فترات الشنانة التاريخية، بل كثيراً ما كان يُرجع إليه عن بلدته الشنانة في إثبات بعض الأملاك وصكوكها وحدودها، والاستشارة الخاصة بذلك، وقد أثبت العميري بهذه الروايات المُحرَّرة حقائق تاريخية عن الشنانة وأهاليها، حيث ذَكَر بعض التفاصيل عن تاريخ وعوائل الشنانة القديمة بدقة فاقت أقرانه ومعاصريه.
ولو لم يكن من أعماله ومبادرته متعدية النفع وتعاونه لتحقيق مصلحة عامة للبلدة وللقضاة وكُتَّاب العدل إن احتاجوا إليها إلا هذه الروايات لكان خيراً كبيراً، ولعل من الوفاء له أن أقول بحق: إنه كان أستاذاً لي في مرويات السماع عن تاريخ الشنانة وحول عوائلها وأملاكها مع غيره من الرواة، كما أن من الواجب أن يكون الوفاء له بأن يكون العمل بما تم الالتزام به له، وذلك بنشر مروياته بالمقال والكتاب حول هذا الشأن، لا حرمه ربي أجر اهتمامه وحرصه وغيرته على حقوق العباد المعنوية والمادية.
توفي مريضاً بالرس بتاريخ 13-1-1433هـ رحمه الله، وله من الأبناء الذكور ثلاثة، وأكبرهم عبدالله ومنه كانت بعض هذه المعلومات الشخصية عن والده، وكذلك من أبنائه محمد وبدر، وعدد ثمان من البنات، رزقهم الله جميعاً برَّه بعد وفاته.
** **
بقلم د. محمد بن عبدالله السلومي - باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org