زكية إبراهيم الحجي
وفي النهاية سقط القناع الأمريكي الحضاري المتظاهر بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وتم الكشف عن مدى تخلف الدولة العظمى التي اعتاد العالم على سماع نغمتها حول انتهاك حقوق الإنسان.. نغمة أمريكية فيها من التضليل والخداع ما لم يسمعه العالم بأسره.. ومن المفارقات أن تحاول أمريكا صاحبة أكبر سجل في انتهاكات حقوق الإنسان إعطاء الدول والشعوب دروساً في حقوق الإنسان وتوزيع شهادات حسن السلوك على من تريد ووفق طريقتها الخاصة.. جغرافيا سياسية مليئة بمعايير مزدوجة تمارسها أمريكا، ومن يتابع خطواتها قديماً وحديثاً يرى بوضوح عدم اهتمامها بما تزعمه من حرص على قضايا حقوق الإنسان في العالم ناهيك عن تجاهلها عن حقوق الإنسان في الداخل الأمريكي.
المقدمة السابقة تثبت بما لا يدعو للشك بأن دفاع أمريكا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.. ما هي إلا قشرة خارجية للوجه الأمريكي سقطت يوم أن سقطت أفغانستان في يد طالبان.. وبعد انتشار صور سقوط كابل تدفقت صور المشاهد المروعة وهي تُظهر تدافع آلاف الأشخاص من الأفغان المذعورين يحاولون الفرار إلى المطار بحثاً عن رحلة تنجيهم من جحيم طالبان.. أما المشاهد التي أدمت القلوب حقاً.. هي صور تلك الأرواح البشرية اليائسة والتي أخذت تتساقط من ارتفاع شاهق بعد أن تعلقت بأجنحة الطائرة العسكرية الأمريكية، مشاهد دراماتيكية لم نكن نشاهدها إلا في الأفلام التي تصنعها السينما الأمريكية.. فهل هذه الأفلام التي تنتجها هوليود وتُصدرها للعالم هي تخطيط مسبق برعاية سياسية أمريكية لما سيحدث مستقبلاً.. إن كان ذلك فإن ما تنتجه هوليود هو سلاح من نوع آخر، سلاح يهدف إلى غزو العقول غزواً ناعماً لتشكيل مفاهيم معينة تسعى السياسة الأمريكية لتشكيلها وفق ما تخطط له.. ويبدو لي أن قطاع السينما في أمريكا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهذا ما كشفت عنه مؤلفة كتاب «دور سي آي أيه» السيدة «تريشيا» جنكيز حيث قالت في كتابها إن تدخل الوكالة في صناعة الأفلام وصل ذروته خلال الحرب الباردة، حيث كان الهدف صياغة السياسة الخارجية الأمريكية لكسب القلوب والعقول في الخارج وتعزيز صورة أمريكا خارجياً.
اليوم بات من السذاجة تصديق الادعاءات الأمريكية التي تتبنى المعايير المزدوجة.. والاستعلاء الأمريكي مهما طال به الزمن سيتعرض للإذلال، وهذا ما حدث لها يوم الانسحاب والسقوط والهروب الكبير.. نهاية مُذلة تماماً لأمريكا لأطول حرب خاضتها بعد حرب فيتنام.. إنه سيناريو مرعب ومشاهد صادمة لم تنتجها هوليود ويمثلها نجوم هوليود.. بل هي حقائق مؤلمة حدثت على أرض الواقع ويعيشها الشعب الأفغاني بكل تفاصيلها.