رمضان جريدي العنزي
نكران الذات يعني الخروج من المساحات الضيقة إلى فضاء العقل والتعقل، ويعني أيضاً التخلص من العدوانية، والجنوح نحو التصالح والتفاهم والقبول، ويعني أيضاً ترك الظلام والذهاب نحو الضوء، إن الذين ينكرون ذواتهم هم صفوة الناس، عقولهم راجحة، ونفوسهم زكية، وضمائرهم حية ونقية، ما عندهم نرجسية، ولا انتفاخ، ولا مظاهر زائفة، ولا أقنعة، ولا عناوين كاذبة، ولا أحاديث سطحية، الأخلاق عندهم عالية، والسلوكيات لديهم طيبة، صفاتهم كريمة، وأعمالهم نبيلة، وتواضعهم مشاهد وبائن، ما عندهم هوى نفس، ولا أغراض دنيوية، ولا صراعات، ولا مناكفات، إيمانهم عميق، ونفوسهم مسكونة بالرضا والطمأنينة، إنهم يترفعون عن الدنايا والخطايا، ويرفضون المساومات والمسابقات، عندهم مجد ورفعة وشموخ، يؤثرون الآخرين على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لا يعرفون الأنانية، بل يمقتونها، يسعون مع الناس ومن أجل الناس، نزعاتهم إنسانية، وأعمالهم حقيقية، ومضاميرهم كلها بر وإحسان ونفع، إنهم صفوة طاهرة، يحبون الآخرة، ولا يعشقون الدنيا بالحد الكبير، ولا يسعون من أجل الكسب والامتيازات الذاتية البحتة، لا يحبون الرياء والعجب، عندهم سمو نفس، ورقي أخلاق، ونبل سلوك.
إن المنكرين لذواتهم عكس الذين يعشقون ذواتهم والمفتونين بها، حالتهم النفسية غير متوازنة، ويغلب عليهم طابع النرجسية، يسعون مع الناس حسب مصالحهم ومنافعهم، انسجامهم ووئامهم مع الآخرين هش ضعيف وواهن، متملقون، ومهارتهم في هذا المجال بارعة، ونجاحهم فيه ملحوظ، يتقنون فن الملق، ويبرعون في تمثيل المسرحيات العابثة، وتغيير الأقنعة، فرسان نفاق ومصلحة لا يشق لهم غبار، زمرة مغموسة بالدجل والنفاق والشيطنة الرهيبة التي لا تطاق، إن الأسود عكس القرود، والخلود والنجاح والفلاح لناكرين ذواتهم، وهيهات أن يفلح من باع ماء وجهه بحفنة من نفاق ورياء وتملق ودجل.