د. محمد بن إبراهيم الملحم
أود أن أشير إلى أن معارضتي لتدريس الإنجليزية من الصف الأول لا تنطلق من الفكرة السائدة بوجود تأثير على هوية وثقافة الطفل فلست أتبنى هذا النهج فالتأثير يمكن أن يحدث على الكبار أيضا إذا قدمت اللغة في أوعية موجهة ثقافيا تزرع الفكر التغريبي، بينما إذا قدمت كلغة فقط فلا خوف على الأطفال إطلاقا، ولكن الإشكالية هي في التبكير أكثر من اللازم في تدريسها قبل أن يتمكن الطفل من لغته الأم «الفصيحة» بأحرفها ومفرداتها وقراءتها بانسيابية وفهم تراكيبها ومدلولاتها، هنا يحدث الخلط بين المفاهيم اللغوية في المادتين مما يربك الطفل، ونحن لا نتحدث عن الأطفال المبدعين أو الأذكياء بل يجب أن ينصب تفكيرنا حول المتوسطين ومن دونهم ليكون حكمنا عادلا لجميع طلاب المملكة بالنسبة لقرار شامل، إن قرار تعليم اللغة الانجليزية بدءًا من الصف الأول الابتدائي عليه عدة ملاحظات أبرزها أن هذه المادة منذ أن قررت في الصف الرابع عام 2012 لم يتحقق لنا إنجاز مميز، فهل مستوى طلبة المرحلة الثانوية اليوم (والذين بدءوا تعلم الإنجليزية من الصف الرابع عام 2012 وما بعده) هم أفضل من طلاب الثانوية بالأمس ما قبل قرار تدريسها في الصف الرابع؟ المشاهدة العامة تقول إن طلاب الابتدائية اليوم لا يتعلمون شيئاً له أثر كبير والمعلمون يدرسون المادة شكلياً، وأعتقد أن الضعف الواضح في مستوى طلابنا في اللغة الإنجليزية لا يحوجنا إلى دراسات أو إحصائيات، وهذا لا يعني انتقادي لتدريسها في الصف الرابع بل إني فرحت عندما قرر تدريسها من الصف الرابع عام 2012، ولكن المشكلة أن هذه التجربة لم تطبق بطريقة صحيحة، لقد تألمت لاحقاً بعدما علمت أن التدريس شكلي سواء من حيث ممارسات أغلب المعلمين أو من حيث خطة الوزارة في عدد الحصص بحصتين أسبوعياً!! وهنا الشاهد، فماذا تفعل هاتان الحصتان؟ وكيف يمكن للطالب أن يحدث له تعرض Exposure كاف للغة الجديدة؟! إن عدد حصص الإنجليزية في المرحلة المتوسطة هي أربع حصص أسبوعياً ولو عملت مبادلة بين الخطتين أقصد تكون الابتدائية هي التي أربع حصص والمتوسطة حصتين أسبوعيا لكان أفضل بدون شك. التبكير بالإنجليزية في الابتدائية من الصف الرابع ما لم يعط حقه من العناية سواء في كم الحصص الكافي أو المنهج الجيد أو حسن اختيار وقيادة المعلم فإنه إهدار للوقت والجهد والمال، أما اليوم فأعتقد أننا ربما نزيد الطين بلة ببدء تدريس الإنجليزية من الصف الأول وبعدل حصتين فقط أيضا، حتى الصفوف 4 - 6 ما زالت حصصها اثنتين أسبوعياً في الخطة الجديدة! وأتوقع أنه سيستمر التدريس الشكلي مرة أخرى، ومما يؤسف له أن حصص اللغة العربية كانت 11 حصة أسبوعيا للصف الأول ثم إنها في الخطة الجديدة نزلت إلى 8 حصص فقط! وهذا يأخذني إلى محور أساسي في هذه المناقشة فكلكم تتذكرون كم كانت نتائجنا في الاختبارات الدولية، ففي 2019 كانت نتائجنا في اختبار بيزا PISA منخفضة جدا، وهو اختبار يتناول القراءة ضمن محتواه، وقد تحدثت عن ذلك في مقالة سابقة https://www.al-jazirah.com/2019/20191212/ln19.htm تلتها سلسلة من المقالات شخصت فيها الأمر، وقبلها عام 2016 كانت نتائجنا في اختبار القراءة الدولي بيرلز PIRLS متدنية وتعكس ضعفا في الاهتمام بتدريس اللغة العربية لطلابنا في الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية لأن هذا الاختبار يعقد لطلاب الصف الرابع الابتدائي فقط، وأشير أيضاً إلى تقرير منظمة OECD حول التعليم في المملكة الذي أشار ضمن النقاط المحتاجة تحسيناً إلى ضعف القراءة المفهومية لدى الطلاب وأهمية تطوير تدريس اللغة العربية في هذا الجانب ولا شك أن ذلك يبدأ من الصف الأول، ومؤخرا كانت نتائج طلابنا في اختبار تيمز TIMSS في نفس نطاقها السابق ولم يتمكن طلابنا من تحقيق قفزة طموحة، وعلى الرغم أن هذه النتائج هي في مادتي العلوم والرياضيات إلا أن الضعف القرائي له أثر مهم في هذه النتيجة إذا علمنا أن طلابنا فشلوا في حل أسئلة مهارات التفكير العليا التي تقوم أساساً على فهم المقروء بالدرجة الأولى قبل تطبيق المحتوى في الحل الرياضي أو العلمي البحت. ولعلي أذكركم هنا أيضاً بما كتبته سابقاً في هذا الشأن في مقالتي «اللغة أولاً ثم الرياضيات» عبر هذا الرابط https://www.al-jazirah.com/2017/20171207/ln7.htm ، كل ذلك يدعونا أن ننبه الوزارة الموقرة بالانتباه إلى اللغة العربية وتأسيسها في الصف الأول وتقوية طلابنا فيها بعناية خاصة وأن تفي بوعدها في تحسين قدرات الطلاب اللغوية لينعكس ذلك على تفوقهم في بقية المواد، ولا ينفي ذلك حماسنا لتدريس الإنجليزية المبكر ولكن لتأخذ العربية فرصتها ليتعلم أبناؤنا فهم ليسوا بخير فيها والشواهد أكثر من أن تذكر، وللحديث المؤلم بقية.