رمضان جريدي العنزي
الفقر ليس عيباَ، ولا يحط من قدر صاحبه، ولا يدني من شأنه، وليس بالضرورة أن يكون الفقير تعيساَ أو بائساَ، فالأيام جند من جنود الله، يرفع بها أقواما، ويضع بها آخرين، فالغني لا يأمن الفقر، والفقير لا ييأس أن يكون غنياَ، أبدًا كالمريض لا ييأس من الشفاء، أن الفقر في النفس وليس في المال والرصيد والثروة، والغنى في الرضا، فلا الفقر يستطيع إذلال النفوس، ولا الغنى يستطيع أن يرفع النفوس ويعليها، والفقر ليس خطيئة، لكنه قدر، فكم من فقير كريم ومعطاء ويتقاسم مع الآخرين ما عنده ويشاركهم قدر المستطاع في السراء والضراء، وكم من غني ممن تضخمت ثرواتهم وكبرت لا يعرف أحد ولا يعرفه أحد، منكفئ على حاله ومنطوٍ، لا يعرف سوى الحساب والأرقام، والكآبة والتعاسة، ومضايقة الأهل والولد، لا يعجبه العجب ولا الصيام في شهر رجب، يخاف من كل شاردة وواردة، لا يزور أحدا ولا يزوره أحد، بائس وحزين، وعندهم هم وخوف وقلق، يقول الشاعر ابن جدلان:
لو الفقر ضيفٍ وحنا معازيب
يا مرحبا بالفقر دقه وجله
الفقر ما هو عيب تدري وش العيب
أنك غني والبيت محدٍ يدله
ولكيلا نبخس بعض الأغنياء حقهم فلا بد أن نذكر بأن هناك من يملكون قلوباَ رحيمة جميلة يشعرون بشعور الفقراء، يتصدقون ويبذلون ولهم أعمال بر خفية لا يعلمها سوى الله، إن الفقر ليس عيباّ، ولكنه قدر، فربما يصنع الفقر المعجزات، ويفجر الطاقات، يبعد عن الملذات، ويقرب إلى الطاعات، فهناك من هو سعيد بفقره، وهناك من هو شقي بغناه، إن حلاوة العسل بتذوقه، وكذا حلاوة الفقر بمكابدته، قال المنتصر بن بلال الأنصاري:
الجُودُ مكرمةٌ والبخلُ مبغضةٌ
لا يستوي البخلُ عندَ اللهِ والجُودُ
والفقرُ فيه شخوصٌ والغِنى دعةٌ
والنَّاسُ في المالِ مرزوقٌ ومحدودُ