د. محمد بن صقر
أياً كان نوع جماهيرك أو المجتمع الذي تتعامل معه فإنه يتأثر ويؤثر بأي سياسات أو قرارات يتم إصدارها، ولذلك كانت القيادات في كل المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي تقوم ببناء ووضع الخطط والإستراتيجيات تعاني بعدم تفهم الجماهير لقراراتها وتعتمد على إصدار القرارات وتطبيق السياسات بشكل ارتجالي وتجعل الجماهير تكتشف لاحقاً سبب اختيار تلك القرارات، ولكن نسيت تلك القيادات أن ذلك قد يكلفها تسرب بعض الكفاءات أو معارضة تلك السياسات, وبالتالي نجد ذلك ينعكس على تعطل الخطط أو انحرافها عن طريقها التي أنشئت من أجله, ولعل الدراسات والأبحاث والتجارب أدركت مثل هذا الأمر وحاولت جاهدة أن تبني إستراتيجية حشد التأييد قبل البدء بأي سياسة فهي ترى أنه من الضروري - بمكان - بناء مثل هذه السياسة لتغيير اتجاهات تفكير الجماهير ووجدت بعض الأساليب لمثل هذا الأمر، وهذا ما ذكره جايسون فايفر (Jason Feifer) عندما استعرض كتاب (jonah berger) المعنون (بكيف تغير عقلية أي شخص) حيث طرح مثل هذا الأمر بمقدمة أن الجماهير لا تحب أن يقال لهم ما يجب عليهم فعله. واستشهد أن الناس قد تلبس الأقنعة الصحية ليس اقتناعاً بأن المرض قد يفتك بهم وإن كان ذلك واضحاً جلياً بل لأن النظام قد يحاسبهم على عدم ارتدائهم هذه الأقنعة، لذلك وجد أن من الأساليب الأكثر تأثيراً في تغيير اتجاهات أو عقلية الجماهير تتمثل بعض الأساليب وهي أولاً: (منح الناس الاختيار) والمقصود في ذلك ليس الاختيار بمعناه العام المنفلت وإنما بمعناه التفضيلي فالجماهير لابد ألا تشعر بأنه مسيطر عليهم وعلى اختياراتهم وأنه متحكم بهم فلابد من إعطائهم مساحة لإقناع أنفسهم وأنهم هم من اختار ذلك بمحض إرادتهم ولكن لابد من وضع محددات للاختيار بمعنى أن يتم وضع أكثر من خيار مع ذكر مبرراته ونتائجه حتى يتم معه زيادة وتيرة الاقتناع، والسماح للناس بإقناع أنفسهم، وبالتالي سيكونون أكثر استعدادًا للمضي قدمًا. ثانياً:( دع الناس يخلقون خياراتهم الخاصة والتي تدعم قراراتك) فقد يكون مثل هذا الطرح فيه صعوبة بعض الشيء لكنه من خلال بناء مدركات الإقناع يكون من السهل تبنيه، فعلى سبيل المثال كيف تجعل الناس يعملون بجد ويزيدون ساعات أكثر؟ إذا طلبت منهم القيام بذلك، فقد يتسألون منك. وإذا منحتهم خيارين - العمل أكثر أو العمل أقل - فمن غير المرجح أن يتخذوا الخيار الذي تريده. إذاً ما الحل هوعرض المشكلة والطلب بحل فعند إدراك الجماهير بالمشكلة فإنهم سوف يؤيدون الحل ويدعمون القادة في وضع حلولهم، فالعمل لساعات أكثر سيجعل شركاتهم تتحول من شركة جيدة إلى عظيمة, وهذا قد نجده في كثير في حلول الشركات أو حتى لدى بعض السياسات، فعلى سبيل المثال جاسيندا أردرن رئيسة وزراء نيوزيلندا التي جعلت كل القضايا أو المشاكل التي شهدت خلالها نيوزيلندا أزمات غير مسبوقة مثل هجوم إرهابي في تاريخ الأرخبيل، وانفجار بركاني كان الأكثر فتكاً، وأخطر ركود في تاريخ البلاد منذ 30 عاماً، بالإضافة إلى التحدي التاريخي المتمثل بوباء كوفيد- مشاكل يشاركها الجماهير ويدعمها في حلولها الصارمة في بعض الأحيان بناء على ما علقت به بعض الصحف. الأمر الثالث: (تسليط الضوء على الفجوة) فعندما تريد تغيير اتجاهات تفكير شخص ما؟ يقول بيرغر: «أشر إلى فجوة بين مواقفهم وأفعالهم - أو ما يفعلونه وما قد يوصون به لشخص آخر, ولقد نجح مثل هذا الأمر في تايلاند. حيث كانت الحكومة تدير حملة فاشلة لمكافحة التدخين، ولم تستطع معرفة كيفية اختراقها. وقد قامت بالتعاقد مع شركة علاقات عامة نفذت فكرة رائعة: تمثلت بإرسال بعض الأطفال إلى الشوارع بالسجائر، وجعلتهم يقتربون من المدخنين ويطلبون إشعال سجائرهم وكنتيجة لمثل هذا العمل، بدأ المدخنون في إلقاء المحاضرات على الأطفال. يقول أحد البالغين لطفل: «إذا كنت تدخن، تموت أسرع». «ألا تريد أن تعيش وتلعب؟ «بمجرد الانتهاء من محاضرة الكبار، كان الطفل يسلم بطاقة ويذهب بعيدًا. وكان مكتوب في البطاقة : «أنت قلق علي، لكن لماذا ليس على نفسك؟» الأسلوب أو الطريقة الرابعة: (استخدم الضغط الاجتماعي) الناس بطبيعتهم يحبون أن يكونوا عنيدين، لكنهم لا يحبون في كثير من الأحيان الابتعاد عن المحيط بهم أو المجتمع الذي حولهم، وبين بيرغر: «مجرد الإشارة إلى ما هي القاعدة فعند قول كلمة «مرحبًا، فقط تستطيع معرفة، ما يفعله الناس»- وهذه طريقة ليكون بعض الأفراد تحت ضغط اجتماعي عند معرفة أن أصحاب الرأي والمجتمع مقتنعون بما يتم طرحه ويؤثرون على باقي محيطهم.