إبراهيم بن جلال فضلون
في إطار إعادة هيكلة «النفوذ الدولي»، مع تغير المُعطيات الراهنة، وانقسامات الرأي وتقدير الأوضاع الاستراتيجية بالعالم. تتسارع الدول بشهيتها المتوحشة للسيطرة على بقاعها أو محظياتها، ومنع أي دخيل من الاقتراب منها كعالم الحيوان وجبروته على الأضعف، غير أن الأقوياء لا يعون أن قدراتهم بدأت في تدهور مُنذُ أن كشفتها الجائحة، وعدم قدرتها على إدارة الملفات في بعض المناطق، ليدخل العالم حالة من التنافس لقوى جديدة قد تُبسط هيمنتها على قمة النظام الدولى، وقد يكون منهم وفق تسارع النمو والتطورات القوى العربية.. رغم أنني لا اتفق مع كتاب الباحث الهندي المتخصص في العلاقات د. سيتاكانتا ميشرا بعنوان «النظام العالمي الجديد ما بعد «كوفيد - 19»، وهو ترجمة لبحث صدر بالإنجليزية بالعنوان نفسه، ونشرته مؤسسة «إندراسترا جلوبال» لـ»ميشرا» وترجمته للعربية المصرية ريهام صالح خفاجي، لمكتبة الإسكندرية.. مُصنفاً رأيه وفق تسعة مؤشرات لما يمكن أن يكون عليه عالم ما بعد الجائحة.. بأنه إذا استمر الغياب الأمريكي - الأوروبي كقوتين كبيرتين، ضد جبهات قادمة، فربما تغتنم الصين والهند فرصة ضعفهما، وتضعان فواعد تنظيمية عالمية جديدة تُغير من القُوى وفق رؤية كل منهم للحوكمة العالمية.. وما شابه أداء الدول الأوروبية وتخبط الأنظمة حتى بأمريكا وروسيا ومعقل الجائحة بالصين، ولدى العديد من الحكومات في تعاملها مع الوباء.. لكنه نسي مدى الانهيار الهندي أمام تحورات كورونا، وهو ما بكينا عليه جميعاً مع إخواننا بالهند ذات الحضارات، ولأنه ببساطة الساحات العالمية مُتعددة ولكل منها قواها ومميزاتها فمثلاً الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، تجد الولايات المتحدة، من جانب، والقوى الصاعدة بقوة ضدها، روسيا والصين التي تخطط للربط بين جميع أجزاء العالم من خلال مبادرة الحزام والطريق وهي لا تستغني عن العرب بموقفهم ضد دولة الإرهاب الإيرانية، وكلاهما -روسيا والصين- احتلا بل اشتريا أرض إيران نفطياً باتفاقيات كاتفاقية الصين الأخيرة، وهما دولتان خارج ما يُعرف تاريخيا بـ»المُعسكر الغربى» أو دول أوروبا الشرقية، الذي هو الآن هدفاً صريحاً لأمريكا، بينما تجد تذللاً من كافة الأطراف لأقوى قوى الشرق الأوسط، ثُلاثي (الرعد القادم، بل البرق الخاطف).
ولعلني اتفق معه في أن شكل التسلسل الهرمي الحالي للسُلطة العالمية، لن يدوم طويلاً، بعد ما أزالت الجائحة الغشاوة من على أعين البشرية، بأنه لا توجد دولة قوية بما يكفي لتُقدم نموذجاً للقيادة وقت الأزمات على المستوى العالمي حالياً، وأثبتت أن الحوكمة الديمقراطية صارت فكرة خاوية، خلال فترة عصيبة جعلت العالم على المحك.
إن هيكل الحوكمة العالمية السلطوية، المُتمركز حول الأمم المتحدة ونظام bretton woods يقع اليوم تحت ضغط شديد، عبر تلاعب مُناصريه أنفسهم، حتى صار بلا فائدة، ويحتاج إلى روح جديدة قد لا تحدث إلا بمعجزة، مع تراجع العولمة المفرط وتفاقم العنصرية التي تفشت بالغرب، وأدى الفيروس الغامض للآن إلى الحيرة والكراهية، خاصة على الفضاءات الإلكترونية، التي امتلأت بالكراهية للشعب الصيني والتحالف الغربي الأمريكي، وفي مناطق الهند، وباتوا يُنادون بـ»كورونا» مع تنامي توجه واضح لنبذهم اجتماعياً، ليحل محلهم نظام عالمي بديل لحقبة ما بعد الحرب الباردة، وإعادة صياغة قواعد اللعبة من جديد، لتبزغ نور تحالفات جديدة، ستعمل بروح التعاطف والتعاون بأشكال غير مألوفة في أماكن عديدة.