د.شريف بن محمد الأتربي
بادئ ذي بدء أود أن أشكر الإدارة العامة للتواصل المؤسسي في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على اللفتة الجميلة بتوجيه خطاب شكر لي عطفًا على مقالي بعنوان: المملكة والتوطين في الوظائف الحرفية.. والذي تم نشره في جريدتنا الغراء الجزيرة بتاريخ 23 يونيو 2021، مما يظهر مدى متابعة الوزارة بقيادة معالي الوزير الكفء والهمام المهندس أحمد بن سليمان الراجحي.
تبذل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية جلَّ جهدها من أجل إعادة ميزان سوق العمل لصالح المواطن السعودي بعد عهود وعصور كانت الغلبة فيها للوافد الأجنبي-الذي لم يدخر أغلبهم جهدًا في العمل- خاصة في بداية الطفرة، وحدوث الوفرة المالية، وكثرة المشاريع التي كانت بحاجة إلى خبراء وموظفين وأيادٍ عاملة لم تكن متوافرة آنذاك في أبناء المجتمع.
وبمرور الوقت؛ ومع تحسن الظروف المعيشية، والابتعاث؛ بدأت الفرص الوظيفية تقل، بل وأصبح الكثير منها محدودًا، بل ومقصورًا على جنسيات معينة، توارثت المهنة، وورثتها لقرابتها، وباتت هذه الوظائف أو الأعمال حكرًا عليهم، خاصة في مجال الأعمال الحرفية، وكذلك محلات البيع.
وتنبهت الدولة لذلك فعملت على سَنِّ وتشريع القوانين الخاصة بالسعودة والتوطين، وهناك فرق كبير بين المفهومين، وما زال الكثير يخلط بينهما، حيث تختلف السعودة عن التوطين بشكل جذري، فالسعودة تعني عدد أو نسبة السعوديين العاملين في منظومة العمل المحددة، بصرف النظر عن نوع المهن التي يعملون بها، أو مدى توافق تأهيلهم العلمي بالأعمال التي يشغلونها، بينما التوطين يهتم بتوظيف الطاقات السعودية في مهنة معينة، بموجب تأهيل معين تتطلبه تلك المهنة لممارسيها.
وتظل منظومة السعودة سهلة وميسرة على أرباب العمل، حيث يلجأ أغلبهم إلى تسجيل السعوديين والسعوديات وأصحاب الهمم في مكتب العمل وفي التأمينات لرفع نسبة السعودة وغالبًا لا يحضر هؤلاء لمقار العمل ولا يمارسونه فعليًا، فهم يمثلون الحل الأسهل والأوفر لصاحب العمل الذي يبحث عن الربح وينسى واجبه الوطني من حيث توظيف أبناء الوطن في وظائف قيادية- وهم أهل لها ولله الحمد- ويفضل الوافد الأجنبي ربما لتواضع راتبه، أو لاستغلاله وحاجته للعمل وقلة شكواه، رغم أني أعرف كثيرًا من المؤسسات والشركات تضع على رأس العمل لديها أو في أقسامها المختلفة وافدين وبرواتب عالية جدًا ربما لو شغل المواطن الوظيفة نفسها لن يتجاوز راتبه نصف هذا المبلغ.
أما التوطين؛ فهو الحل الأمثل للقضاء على تحايل أصحاب العمل على النظام، فالموظفون جميعهم لابد أن يكونوا مواطنين ويعملون في المجال الوظيفي نفسه - كما حدث في سوق الاتصالات - وقد أتاح هذا النظام آلاف الوظائف للمواطنين، في مجال الخدمات، والمبيعات، ومكاتب الاستقبال وغيرها من الأعمال التي تم توطينها.
أما الوظائف الحرفية، فحدث ولا حرج، فهي سوق ومرتع خصب لكسب الأموال بصورة فاحشة ودون رقيب أو حسيب، حيث يمارس هذه الأعمال عمالة غير مؤهلة غالبًا، وحتى مع إخضاعها لاختبارات الكفاءة، تظل المشكلة غير مرتبطة بكفاءة العامل بقدر ما ترتبط باستغلاله لحاجة المواطن إلى خدمة حرفية قليلة التكلفة.
ومن الحلول المقترحة لتحقيق الهدف من عملية توطين الوظائف في مجال العمل الحرفي؛ الشراكات وليس التوظيف، حيث يمكن التعاون بين الشركات العاملة في المملكة في المجالات المختلفة والتي يترتب عليها عمل حرفي، مثل السيارات، الأدوات المنزلية، الأدوات الصحية، الأدوات الكهربائية، ... وغيرها من الشركات، بحيث تقوم هذه الشركات بتدريب المواطنين على الأعمال الحرفية لديها لمدة عام مثلاً، وبعد هذا العام يتم توقيع عقد شراكة بين هذه الشركة ومواطن أو أكثر يقوم من خلاله المتدرب بالعمل في مجال الأعمال الحرفية لهذه الشركة من خلال مؤسسة خاصة به أو بهم تكون تحت مظلة وزارة الموارد البشرية وبرعاية العديد من الجهات المسؤولة مثل «منشآت» مثلاً.
هذه الشراكة تجعل من مؤسسة المتدرب مركزًا لتقديم الخدمات الحرفية في الصيانة؛ بشرط أن يمارس العمل بنفسه، وفي كل عام عند تخريج دفعة جديدة من المتدربين يتم إلحاقهم بالعمل في هذه المؤسسات لمدة عامين على الأقل، ثم يسمح لهم بافتتاح مؤسساتهم الخاصة، وخلال أقل من عقد ستكون جميع الوظائف الحرفية مشغولة بمواطنين سعوديين - بإذن الله -، على أن يتم مراقبة السوق مراقبة شديدة لضمان عدم تسرب هذه الأعمال إلى عمالة وافدة غالبًا ما تكون مخالفة.