ليالي السبيعي
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}
ودعتنا.. ورحلت..
كان موعدنا الأخير في تمام الساعة العاشرة من يوم الجمعة 12 - 3 - 2021 لم يدر بخلدي يوماً أنني سأقف على هذا الموقف، بل وسأرى رفيقة روحي ودربي جسداً بلا روح.
كل مشاعري جامدة.. لا حراك ، سوى قلب يضخ الدم بكل خوف وصبّر..
الهدوء يعمّ المكان.. قشعريرة تسري في جسدي فالموقف كان مهيباً.. رائحة الموت تعم المكان..
وهل للموت رائحة أم أنني استشعرت ذلك.. سكنت تلك الرائحة المجسدة في ذلك المكان ذاكرتي حتى اليوم.
(هيّا - هيّا) يا بناتي اخترقت الكلمة مسامعي، صوت تلك المغسلة العجوز حين قالت من سيغسل معي ميتتكم..
وألف صرخة تئن في روحي لا تقولي ميتتكم فهي حية في روحي ولم تمت ولن تموت..
الله أكبر تعلو المكان.. والحمد لله تعج بها ألسنتهم.
ارتدت فقيدتي فستانها الأبيض وُزفت على يد الملائكة إلى جنان عرضها السموات والأرض بإذن الله...
وأنا وأمي وباقي عِقدنا الفريد الذي انفرط وسقطت منه أغلى وأنقى لؤلؤة لا مثيل لها.. رحلت بها خطواتهم ورحلت معها أرواحنا قبل دعائنا.. تلقينا أحر التعازي والأدعية وما زلنا حتى اليوم نتقبل تعازيها وكأنها ماتت بالأمس..
في عيني سير أقدام اخوتي حين حملوك على النعش واختفوا بكِ عن ناظريّ أمي..
أحقاً رحلت.. أحقاً لن أراك بعد اليوم ولن أعيش معكِ كل العمر كما اتفقنا.. هل سأبقى وحيدة بدونك.
رحلت.. رحلت وتركت كل أشيائها التي تحبها عقدها الذي يحمل اسمها.. مصحفها وسجادة صلاتها.. كتبها ومذكراتها ومعلقات الذكريات بيننا، المذيلة بصور طفولتنا وأيامنا الجميلة.
رحلت وتركت أدويتها وعقاقيرها الطبية التي كانت بمثابة حبل وريد يصلها الحياة.
رحلت وتركت قلب أمي الذي شاب بعد رحيلها وتحول دمه للسواد، رحلت وتركت أبي وعيناه الشاخصتان كلما مر على باب غرفتها..
رحلت تلك الحنونة التي كان صوتها ووجودها يعم البيت حباً وخيراً ونوراً..
رحلت وتركت رائحة الموت المعلقة في ذاكرتي معتقاً بصورها وذكرياتها الجميلة معي.
خراب يسكن أجواء ذاكرتي ومشيب..
وعتمة في الطرقات وحنين..
فاصلة
في غيابها افتقد طعم السعادة..!
بالأصح افتقد طعم الحياة..