الموت هو الرحيل والانتقال من حياة إلى حياة أخرى.. وكل شيء يتعلق بالإنسان يذهب ويبقى عمله والأثر الذي تركه في قلوب الناس...
غيّب الموت قبل أسابيع اختنا - غالية أم إبراهيم ابنة الشيخ والمعلم مبارك بن خليفة -رحمهما الله- وتركت لنا تركة من الأخلاق وحب الناس لها نظير حسن خلقها وسمعتها والخدمات التطوعية التي بادرت بها لمجتمعها في محافظة السليل, محبة للخير وشغوفة للعمل التطوعي, بل رهنت حياتها منذ الصغر وحتى ما قبل مماتها من أجل مساعدة الناس وإسعاد القريب من الأقارب والجيران وكذلك البعيد في المحافظة. مؤمنة بالمسؤولية بأن العطاء لا نهاية له مهما كبر ومهما صغر, قال تعالى {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} كانت أم إبراهيم أيقونةً إنسانية، من النساء الطيبات «السنعات» بالمصطلح الشعبي والتراثي بين النساء لاتصافها بالأخلاق الحسنة والقيم الحميدة التي عرفت بها في المحافظة آنذاك, بل اشتهرت أم إبراهيم بإمداد أهل القصر والجيران بالمياه لسنوات عديدة بالإضافة إلى مواقفها المعهودة في المناسبات المختلفة والزواجات, دون الحصول على مقابل مادي بل كانت تقابل بالثناء والدعوات...
إنها خدمات صغيرة لكنها تترك أثراً عظيماً في نفوس الناس.
لم تكتف «أم إبراهيم» بهذه الخدمة المشرفة بل اشترى والدها في سنوات ما بين السبعين والثمانين هجرية حيوان «الاتان» وروّض ابنته «غالية» وهي في عمر سبع سنين لسقي المسجد والمصلين في رمضان والمدارس التي كان يشرف عليها أبوخليفة, حيث تذهب وتعود أكثر من مرة لجلب المياه من المزارع والآبار وايصالها للمستفيدين.
والجميع يعرف أن عملية السقي في ذلك الزمان ليست مثل زماننا الحالي, فلم يكن هناك خدمات الشبكات وسيارات الوايت, إذ كانت تتطلب هذه الخدمة التطوعية إلى صبر وجهد وتضحيات بالوقت والحلم والتروي في كل المواقف التي كانت تتطلب التعامل مع كل أصناف المجتمع.
لم تكن تجربة أم إبراهيم-رحمها الله- في التعامل وخدمة الناس الوحيدة في زمانها, بل هي أنموذج من عدة نماذج من النساء الطيبات والسنعات في محافظة السليل.
ويبقى قدوتنا في هذه الحياة سيد العمل التطوعي والعطاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, لكن رجائنا عند الله أن يتغمد «أم إبراهيم» بالرحمة والمغفرة وأن يجزيها خير الجزاء على ما قدمته من سقي وتعامل حسن وسعادة وآثرت الراحة لإسعاد الآخرين.
قال الله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وهنيئاً لمن يرحل ويبقى اثره وذكره الحسن.
** **
- ظافر بن مبارك بن خليفة