يذكرون وهم يريدون أن يتزيّوا بقاموسٍ من غيرٍ لغتهم فيجعلون كل ارتباطٍ بنسبٍ للرجل ما هو إلا من قبيلِ العصبية المنهيِّ عنها وما ذاك إلا من أساميع يرددونها وحكاوى عن أجسادٍ هم أذنابها؛ يتناقلونها، فسمعوا منهم أن الرجل ينبغي أن يقول: أنا: أنا، ولا يقول كان: أبي فدثّروا التاريخ بخِرَقٍ من عار واستعاروا له كل شَنار وغدَا الذي يقول كانت تميمُ وفعلت في كذا قريشٌ، ما هو إلا رجلٌ يدعو لعصبيةٍ ذهبت وجاهليةٍ قد اندثرت... يتمثّلون من بيت الشاعر (ليس الفتى من قال كان أبي إن الفتى من قال ها أنا ذا) وإنّ الفتى وخيرُ فتى من مدّ الأصل بفرعٍ منه وجعل له عن طريقه سبباً فكان الفرع الذي مُدّ من الأصل أمره فتراه قد استمدّ ذلك من أبيه فغدا الأولُ صورةً يتمثلُ بها الآخر وصار له الواحد المتبوع فتمثّل فيه غايةَ التمثُّل وهذا مثالُ نبيّ الله إبراهيم قد جعل الله أنبياء بني إسرائيل كلها من ولدهِ إسحاق وجعل لهم سلسلة نسب بدأت من أبيهم واستمرت حتى آخر نبيٍّ فيهم فكأن صورة الأول لم تنمح وكأن وجوده لا غياب فيه، أو غيابه في نفسهِ حضورٌ يتجدد، وقد يقول القائلُ ما أسلفتهُ ويدّعيه كي يثبت في حقِّ الانتساب غايته ويجدد من عند أبيه إليه مجداً وإن هذا عندي حقٌ مشروع وإنه لصورة هو جديرٌ بها ولكن... وأقولها ويسبقُ إليها قلمي إنّ خيراً من الذي قال كان أبي من قال: ها أنا، والخيرُ منهما من لم يكُن أبوه وكان هو فكان هو الأصل لمن بعده كما قال السابق حين عيّره أحدهم بآلا نسب لآبائه فأجاب بأن نسبي يبتدئ بي ونسبك بك قد انتهى، فكان نسيجَ وحده وخلاصةَ نفسه فبنى وجوده من عدم سالِفه وأنبتَ بذرته من تربة نفسه فاستحالت منها الفروع بعد أن مدّ نفسه فاتخذها أصلاً وإن هذا لحاضرٌ في التاريخ حضور الشاهين وسط بازغ السماء في رجالٍ كان الواحد منهم يخرجُ من منفىٍّ من الأرض ما معه من أحدٍ غير رأسه وذهن في داخله متوقد يسعى في داخله سعي النار في الحطب يُذكيه ولا يفنيه فيعدُوه رمداً وإنما يُصيّر منه عوداً زاده الإحراقُ طيبا وما خبر فتى بني عامرٍ ببعيد، ذاك الذي غدت له الغزواتُ صيفاً وشتاءً واستحالت له الأرض بلقعاً غناءاً فتمكّن من الأندلس تمكّن البازيّ من فريسته واحتكمها احتكام الهزبر إلى مطلبه فغدت من سلالة الأموي غير المنقطعة إلى رجلٍ ما أخذها من مَلِكٍ لهُ به سبب أو نسب فنى فيجدد ما منه قد ذهب، فأحيا بحياته حياة أبيه، ولا جدٍّ كانقد صنع ما صنع فأعاد بسيفه ما كان من أمره لا وإنّما خرج واحداً فأسس من بين الناس مُلكاً وأعدّ لهم في وسط ديوان التاريخ من دونهم عماداً وما ذاك إلا وهو... نسيج وحده ومثله كمثل الذي لِيم بعد نيله ما نال أنه ليس سليل نسب شريف فأجاب مستنكره النسيب، إنما أنا كذلك إذ أني أول نسبي وأنت آخر نسبك وبهذا تُقام معادن الرجل، وتستقيم بعد ميل بهم كل حال.