د. محمد عبدالله الخازم
كتبت في أبريل 2004م -أي قبل 17 عاماً- مقالين بعنوان «لائحة انتقالية للمناصب الأكاديمية» وسمّيتها «انتقالية» باعتبارها فكرة وسطية بين تفرد شخص واحد باتخاذ قرار التعيين في المنصب الأكاديمي (رئيس قسم، عميد، مدير مركز، إلخ) وبين العودة للانتخابات، كما كان يحدث في بداية تأسيس الجامعات.
تحمس معالي الدكتور عبدالله العثمان -حينما كان مديراً لجامعة الملك سعود- للفكرة، وطبقها، ليس بالضرورة كما طرحتها حرفياً، عبر تشكيل لجان تتولى ترشيح أو اختيار رؤساء الأقسام والعمداء، لكن تلك الخطوة لم تتحول إلى نظام واضح ودائم في الجامعات!
أسوق تلك المقدمة إثر إعلان وزارة التعليم تأسيس ما سمّته منصة «قادة المستقبل». فكرة اكتشاف جيل جديد من القيادات في قطاعات التعليم جديرة بالتقدير، في ظل كبر القطاع وكثرة المؤهلين فيه على كافة المستويات وضرورة وجود أليات تساعد في التعرف على الكفاءات المميزة يصعب على المسؤول معرفة المتميز بشكل شخصي. في ضوء ما سبق أن كتبته وأشرت إليه في المقدمة، نريد ما هو أبعد من ذلك، نريد خطوات أعمق وأشمل لتطبيق فكرة اختيار القيادات ولا أقول صنع القيادات لأن ذلك أمر له متطلبات ومسارات أخرى.
المنصة الرقمية ستوفر قاعدة بيانات لعشرات أو مئات من السير الذاتية، حسب ثقة الناس بها، لكن اختيار القيادات سواء على مستوى الجامعات أو إدارات التعليم أو وزارة التعليم، لا تزال مرهونة بصلاحيات فردية ولا يحكمها نظام متطور واضح يقننها. طالما لا يوجد تنظيم يقلص صلاحيات الفرد في الوزارة والجامعة في اختيار القيادات فلا معنى لمثل تلك المنصة. توجد تجربة مماثلة سابقة للوزارة لم تكن فعالة، ألا وهي منصة «إيفاد» التي أسست لغرض اختيار الموفدين للعمل بالملحقيات والملاحق الثقافيين، وبقي الاختيار للموفدين والملاحق الثقافيين - كنت أحدهم- مرهوناً بعوامل شخصية وقرارات فردية وإن حملت ديباجات إدارية. هناك حاجة لوجود لائحة/ نظام مكتوب يوضح آلية فرز المرشحين بناء على وظائف معلنة ومحددة شروطها وآليات الاختيار فيها ومقابلتهم من قبل لجان محايدة، إلخ.
المنصة الرقمية مجرد وسيلة للحصول على معلومات الراغبين في العمل في المراكز القيادية المعلنة، لكنها لا تطرح تغييراً على مستوى الأنظمة، والعبرة هنا ليست بالحصول على المعلومات سواء بعثت عبر المنصة أو (الفاكس) أو في ملف علاقي أخضر، وإنما في أنظمة موضوعية تتعلق بكيفية الإعلان عن الوظيفة قبل أن تشغر وآليات المفاضلة والاختيار والتعيين.
نحتاج لوائح وأنظمة مكتوبة ومعلنة بوضوح وشفافية يحق للجميع الرجوع والاحتكام إليها، لا مجرد توجيهات تتغير بتغير الأفراد. كثرة التكليفات المؤقتة في مناصب التعليم دلالة خلل في لوائح الترشيح والاختيار والتعيين قاد إلى خلل في التخطيط لشغل المناصب قبل شغورها.
بالتأكيد الفكرة تتطلب تغييراً ثقافياً وفكرياً على مستوى السلوكيات الإدارية والمجتمعية لأصحاب الصلاحية والمعنيين بالتطوير، فلا معنى لمنصة رقمية دون التخلي عن السلطات الفردية في اتخاذ القرار. الموضوع الثقافي أتركه لنقاش آخر وأختم بتكرار التقدير (لرقمنة) الترشيح للمناصب القيادية، لكنني أطمح إلى ما هو أكثر، تلك مجرد خطوة في الطريق.