محمد سليمان العنقري
بعد عام ونصف على بداية جائحة كورونا وتبعاتها الكارثية على العالم تباين أداء الدول خلالها في مواجهتها، وكانت المملكة من بين أفضل الدول أداءً لتقليل انعكاساتها السلبية، خصوصاً في الجانبين الصحي والاقتصادي، فالضرر طال جميع الدول لكن تقليل الاضرار يأتي فقط من عمل منظومة تمتلك خبرات للتحوط من المخاطر، ففي الجانب الاحترازي لتحجيم تفشي العدوى بالمجتمع السعودي اتخذت اجراءات عديدة، وكان التعامل حذراً بشكل يتناسب مع مرض مجهول، ولم يكن له علاج او لقاح يحد من انتشاره في حينها، ولعل أبرز ما تم من إجراءات كان تحويل الدراسة لتكون عن بعد للتعليم العام ولنسبة كبيرة من التعليم الجامعي، بحسب التخصص والمقررات، مع إيجاد كافة الوسائل التي تربط الطلاب بالعملية التعليمية، ولذلك نشرت تجربة المملكة في هذا السياق دولياً في العديد من المؤتمرات والمناسبات العالمية كان آخرها مؤتمر التعليم العالمي بلندن قبل حوالي شهر.
لكن بعد هذه المدة الطويلة من تجربة التعليم عن بعد وما رافقها من تحديات وحرص على تقليل الفاقد التعليمي وجهود كبيرة تشكر عليها وزارة التعليم وكوادرها التعليمية وكافة القطاعات المساندة، حيث كانت الاولوية للدولة الحفاظ على صحة المواطنين فإن الاسبوع القادم الذي يمثل بداية العام الدراسي الجديد سيشهد عودة الطلاب للمدارس حضورياً للمرحلتين المتوسطة والثانوية والجامعات والكليات التقنية والفنية بشرط الحصول على جرعتي اللقاح لفايروس كورونا للطلاب والكوادر التعليمية والادارية، أي لن يسمح بحضور من تلقى جرعة واحدة فقط او لم يأخذ اللقاح نهائياً علماً بأن 93 بالمائة من الطلاب تلقوا جرعة اولى كما ذكر معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ، وهي نسبة مرتفعة تمثل وعياً وحرصاً من الاهالي والطلاب على العودة للدراسة حضورياً، كما تم اصدار ارشادات من وزارة التعليم بتعليمات آلية العودة للمدارس من حيث إلغاء الطابور الصباحي والفسح واقفال المقاصف والسماح بتناول الوجبات داخل الفصول، وغيرها من التعليمات مع توفير كافة الادوات والوسائل الوقائية من كمامات ومعقمات، ولابد من ضرورة اطلاع الأهالي والطلاب على حد سواء على هذه التعليمات المنشورة بوسائل الاعلام وحساب الوزارة على مواقع التواصل الاجتماعي وبرغم التوجه لعودة الدراسة حضورياً بعد ان تجاوزت جرعات اللقاحات 35 مليون جرعة بحيث وصلت نسبة من حصلوا على جرعة واحدة قرابة 62 بالمائة ونسبة 38 لمن حصلوا على جرعتين إلا أن الحضور للمدارس لن يشمل من تقل اعمارهم عن 12 عاماً نظراً لانه لا يوجد لقاحات تناسب هذه الفئة من الاعمار، وسيكون موعد عودتهم عند تخطي نسبة المحصنين بالمجتمع تحصيناً كاملاً، أي بجرعتين نسبة 70 بالمائة او في نهاية شهر اكتوبر القادم، حيث يتوقع الوصول لتلك النسبة أو ما يقاربها، فالنسبة المستهدفة تمثل المناعة المجتمعية ضد الفايروس اذ يلاحظ مع ارتفاع نسبة اللقاحات التراجع السريع ولله الحمد بعدد الاصابات الذي وصل الى مستويات حول 360 حالة يومياً هبوطاً من مستويات فوق 1200 حالة قبل حوالي شهر تقريباً.
فالعودة للدراسة حضورياً تمثل أهم خطوات العودة للحياة الطبيعية بعد ان تم اعادة فتح العمرة من الخارج والحضور لملاعب كرة القدم للمحصنين، وأيضاً اطلاق العديد من الفعاليات السياحية وفتح الأنشطة الاقتصادية مع ابقاء الاحترازات والاجراءات الاساسية من ضرورة ارتداء الكمامة بمواقع معينة وعدم السماح بدخول الاسواق او اي جهة رسمية وخاصة الا للمحصنين، مما يشير الى ان المراقبة والمتابعة لتطورات الفايروس وتحوراته عالمياً وداخلياً ما زالت بنفس المستوى المرتفع من قبل الجهات المعنية، فالتحورات تمثل أخطر ما يواجه العالم الآن، وهذا ما استوجب استمرار الحذر لتأكيد نجاح مواجهة هذا الوباء واستيعاب تداعياته، فالمملكة ولله الحمد لم تتعرض لموجات التفشي كما حدث لكثير من دول العالم، نتيجة هذه الاحترازات، وبقي النظام الصحي فعالاً ولم يتعرض لضغوط كبيرة مثل ما حدث لدول عربية واجنبية عديدة كما ان الاقتصاد عاد للنمو بالانشطة غير النفطية بمعدلات جيدة بالربع الثاني لهذا العام واعادة وكالات التصنيف الائتماني تقييمها للنظرة المستقبلية لاقتصاد المملكة من سلبية لمستقرة، مع حفاظها على درجة تصنيف استثمارية مرتفعة بسبب السياسات الاقتصادية الفعالة والاحتياطيات المالية الكبيرة التي ساهمت بحماية الاقتصاد.
كلما كان الالتزام بالتعليمات الصادرة من وزارتي التعليم والصحة لمنع العدوى وانتشار الفايروس مرتفعاً فإن ذلك يسهم بحماية المجتمع صحياً واقتصادياً، ومما لا شك فيه تمثل عودة الدراسة حضورياً تحدياً في بداياتها، وستكون الأعين موجهة لمراقبة الالتزام بالاجراءات الاحترازية في المدارس، وهذا يتطلب تعاوناً من الأهالي والطلاب مع ادارات المدارس لتجاوز الاسابيع الاولى بكل حذر حماية للمجتمع عموماً وتتويجاً لنجاح كل الجهود التي بذلت من بداية الجائحة فتوعية الطلاب بضرورة حرصهم على الالتزام بالتعليمات والارشادات تنمي لديهم الإحساس بالمسؤولية مع الدور المنوط بإدارات التعليم والمدارس والكوادر التعليمية والادارية فالتعليم حضورياً هو أهم مرحلة في عودة الحياة الطبيعية، واختبار مستوى الوعي المجتمعي في مساندة الجهود الرسمية بمواجهة مثل هذه الأزمة التي غيرت العالم.