سمر المقرن
ما الجدوى من شجرة شكلها جميل ولكن فروعها وغصونها اجتثت فلم يصبح لها ظلا يستظل به الإنسان من وهج الشمس ولا ثمار تؤكل؟ نفس الحال بالنسبة للمرأة جميلة الشكل سيئة الطباع أو الرجل الوسيم الشرس سليط اللسان، حينها يتحول إلى أقبح رجل أو أكثر امرأة دميمة في العالم!.
نصادف في حياتنا نماذج كثيرة ممن أشكالهم جميلة يشبهون أقواس النصر المزخرفة من الخارج في حين أنها في حقيقة الأمر ما هي إلا خيش وقش، ومهما كان شكل الإنسان بعيداً عن المواصفات والملامح الشكلية الجميلة فإن عطاءه الإنساني يزيده جمالا.
وفي هذا الوارد، تحضرني قصة الممرضة الانجليزية ماري آن بيفان التي كانوا يلقبونها بأبشع امرأة في العالم بعد أن أصيبت بداء العملقة الذي يصيب عضلات الوجهة بالتضخم والبشاعة، وهو الذي أصيب به أيضا الفنان المصري الكوميدي الإنسان حسين أبوالحجاج، ولكنه أصبح بفضل شكله الغريب ممثلاً معروفاً، ولكن اختلف الحال مع ماري آن بيفان التي توفي زوجها الذي تزوجها قبل إصابتها بداء العملقة وترك لها أربعة أطفال كانت مطالبة بالإنفاق عليهم فاضطرت للمشاركة في مسابقة أبشع امرأة في العالم لتفوز باللقب وبخمسين دولاراً لم يسدوا رمق جوع أطفالها، فاضطرت مجدداً للعمل في السيرك استغلالاً لبشاعة وجهها التي كانت تجذب الأطفال لرؤية أبشع امرأة في العالم، وللأسف كانوا يقذفونها بالحجارة حتى ماتت كمداً، لتصبح آية على بشاعة الإنسانية التي تتجاوز بشاعة الشكل برغم أنها كانت امرأة معطاءة أشاد بتضحياتها أبناؤها الذين منحوها لقب ملكة جمال الإنسانية.
لماذا يطارد البعض من منحهم الله شكلاً متواضع الجمال هل نعيب المخلوق أم الخالق؟ فكم ممن يتمتعون بجمال الشكل دميمو الطباع وأروقة المحاكم ممتلئة بفاتنات الجمال اللاتي طلقن لسوء طباعهن! وجمال الشكل يمكن أن يُفقد في لحظة ولكن جمال الطبع والروح باق للحظة طلوع الروح، وهو ما يجعل الإنسان وسيماً أو أنيقاً أو العكس، والقبح يتمثل في تدني الأخلاق والطباع السيئة وعلى رأسها الحقد والحسد والغيرة!.
وقد يسخر -بعضهم- من عريس تزوج فتاة متواضعة الجمال أو العكس وهم لا يعلمون أن اختيار شريك الحياة يجب أن يتم على أساس الروح والطبع والتآلف بينهما، والبحث عمن تسكن إليه النفس دون ضجر أو ملل ومن يتمتعون بصفاء النفس والتصالح مع الذات الذي يضيف جمالاً على جمال.
إن جمال الروح في الداخل وجمال الشكل في الشارع، فلم نر شخصاً يطارد امرأة لأنه معجب بروحها ورجاحة عقلها، بينما الضرير يمكن أن يبصر جمال الروح الذي يخترق السمع والقلب ويصل إلى الأعماق.
جمال الروح يبني مدينة الطاقة الايجابية الفاضلة التي يريد أن يسكنها الجميع لتحقيق السلم والأمن والسكينة التي يفشل في منحها جمال الشكل.