علي الخزيم
على طريقة المحلل الرياضي الراحل عادل التويجري غفر الله له؛ استذكرت المثل المُكرر بِدَرس قواعد اللغة العربية منذ الطفولة حتى المشيب (ضرب زيدٌ عَمْرا)! فقد مضت قرون وأرباب اللغة يتركون زيداً يجلد عمراً صباحاً مساءً ولم يجد عمراً من ينقذه من بين يدي زيد، وأثقلوا كتب النحو بهذا المثل بحجة أنه بسيط يُقرِّب المعلومة والقاعدة المرادة للتلاميذ، ولكن غاب عنهم -جزاهم الله خيراً- أن التلاميذ الصغار قد تصيبهم أحياناً ًحالات من التوتر والخوف من جبروت زيد الضارب المُتجبر على عمروٍ، وتأخذهم الشفقة على المضروب، ويزيدهم ألماً إصرار المعلمين على تكرار هذا المثال على مسامعهم، وكأن قائمة أسماء العرب شحيحة لهذا الحد، أو كأن التعاملات بين البشر بمحيطهم قد اقتصرت على التخاصم والضرب، أليس لديهم من بديل لطيف يُطيِّب خواطر الصغار، كأن يقال (ساعد زيد عمرا) أو (أحب زيدٌ دعدًا)؟ وربما كان الأخير من المحاذير؛ فلا يليق عندهم التصريح بالحب والوَجْد؛ لكنّه جائز عند الضرب والطِّعان الذي يجلب الغم والكره لدى الصغار، فليت أولئك المعلمين قد أمسكوا بتلابيب زيد ذاك المُتجبِّر ولقّنوه درساً بالود والتصافي ومحبة الأقران والزملاء.
تذاكرت هذا المثال وأشباهه مع عدد من زملاء الدراسة، فعلق أحدهم بقوله: كنت ونفر من التلاميذ نتندَّر احياناً على مثل هذه الامثلة بحصة قواعد اللغة العربية، فنقول أليس من الأجدر ان يكون المثال: (عَزَمَ احمدٌ سعداً على العصير بالفسحة)، وبالفعل تطورت الفكرة لدينا واخذنا نعزم بعضنا على العصائر والفطائر ونحوها بقدر استطاعتنا، فكان اجتهادنا بمكانه، ونمّى لدينا أواصر التقارب والألفة بمحيط زملاء الدراسة، بينما كان آخرون متأثرين بـ(هياط) زيد وتسلُّطه على الطيب عمرو، فنشاهدهم أحياناً وقت الانصراف من المدرسة بالتحام قتالي ومضاربات لأمور تافهة كان يجب على المعلمين اقتلاعها من مشاعرهم وضمائرهم، وملء نفوسهم بمبادئ الفضيلة والتسامح والوئام بأمثلة ترقى لمثل هذه السجايا العربية الإسلامية الحميدة، فبدلاً من عمرو الذي كنَّا نحسبه الذليل الوحيد بالحي ومن زيد الذي كنَّا نمقت جُرأته وعدوانه على الآخرين ظهر غيرهم؛ فمن مُتقمِّص لدور الفتوة والبطش؛ الى ضحايا جُدد لأولئك (المهايطية) الذين صدَّقوا ظنونهم بانهم اقوى من زيد، فكانت مآلات بعضهم التأخر بالتحصيل لانشغالهم بمناوشات الفتوة ثم الفشل بالدراسة.
ويقول زميل دراسة ممن كانوا معنا (يطقطقون) على المجلود عمراً: خطَّطت ذات يوم لأن أدلي برأي المُعترض على سلوك زيد وظلمه لعمرو، ولأسأل معلم قواعد اللغة عن سر هذين الاسمين (الدابغ والمدبوغ)؟ لعلي أنجح بتجديد صيغة المثال، وما أن طرحت السؤال حتى نهرني المعلم قائلاً: أنت تعبث؛ هذا علم وليس تسلية! وقبل أن أشرح له؛ هددني بالتوقيف امام زملاء الصف، فكنت امامه أجبن من عمرو! وهكذا كان معلمو أجيالٍ مضت قد اعتادوا على النقل والتقليد، ويجفلون من الابتكار والابداع، ولا يؤمنون بالنقاش وتداول الآراء والأفكار مع التلاميذ، ولا يراعون أي خوالج نفسية أو مشاعر تنتابهم لأي سبب كان، التلميذ عندهم آلة تحفظ ولا تُعبِّر!